تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ
عندما واعد موسى عليه السلام ربَّه ليُنزِّل عليه الكتاب، كان أول ما يطلبه موسى هو رؤية الله عزَّ وجلَّ من شدة إشتيـــــاقه وحبه له .. ولكن الله سبحانه وتعالى قد قضى ألا تتم رؤيته لأحدٍ في الدنيا، بل أن أهل الجنة هم الذين يرون ربهم تبارك وتعالى ويتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم يوم المزيد ..
قال تعالى {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143] ..
فلما تبيَّن لموسى عليه السلام أنه لن يثبُت لرؤية الله عزَّ وجلَّ كما لم يثبُت الجبل، استغفر ربه من جميع ذنوبه وجدد إيمانه مرةً أخرى .. وكان هذا في العشر الأوَّل من ذي الحجة ..
فهلَّا جعلنا شعارنا في هذه الأيــــام المباركة كشعار نبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام؟ ..
(سُبْحَـــــــــــانَكَ تُبْـــــتُ إِلَيْــــــكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِيـــنَ)
فالتوبة هي وظيفة العمر .. التي أمر الله تعالى جميع عباده المؤمنين بها في كل وقتٍ وحين، قال تعالى {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]
وأول ما يخطر على ذهن الجميع عند ذكر التوبة، هو التوبة من الذنوب الظاهرة كالتقصير في الفروض وذنوب الشهوات، ولكن التوبة لها معنى أشمل من ذلك .. كان ميمون بن مهران يقول "لا خير في الدنيا إلا رجلين، رجل تائب من الخطيئات، ورجل يعمل في الدرجات، فلا خير في العيش والبقاء في الدنيا إلا لهذين الرجلين، رجل يعمل في الكفارات، ورجل يعمل في الدرجات، وبقاء ما سواهما وبال عليه" ..
rose-sep
فبنــــا نُجدد توبتنا لكي ننال شرف هذا المقام العظيــــــم ..
الخطوة الأولى: ضع ذنوبك نُصب عينيك وابك على خطيئتك .. فمن أعظم القُربات إلى الله تعالى في زمان العشر، أن تبك على خطيئتك وتذِل وتنكسِر وتتضرع له سبحــــانه ..
عن أبي أمامة عن عقبة بن عامر قال قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك" [رواه الترمذي وصححه الألباني]
تذكَّر ذنب مُعين وعاهد الله ألا تعود إليه مرة أخرى .. صلِ ركعتين توبة إلى الله وأجمع قلبك في سجودك واستغفر ربك وتُب إليه من هذا الذنب بعينه .. عن عون بن عبد الله، قال "جرائم التوابين منصوبة بالندامة نصب أعينهم، لا تقر للتائب في الدنيا عين كلما ذكر ما اجترح على نفسه".
sep-2
الخطوة الثانية: اكتب قائمة بعشرة ذنوب تقع فيها، وجدد التوبة منها ذنبًا ذنبًا .. قال تعالى {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة: 14,15] .. ولكن لكلٍ منا العديد من الذنوب التي لا يُلقي لها بالاً ولا يحسبها ذنبًا ..
ومن هذه الذنوب التي نحتــــاج إلى تجديد التــــــوبة منها بإستمرار:
1) تعلُق القلب بغير الله .. فلو كانت قلوبنا ممتلئة بحب الله تعالى، لِما أنصرفت عنه وأبتعدت عن طريقه سبحانه وتعالى .. فعلينا أن نُفيق من غفلتنا ونُجدد توبتنا من تعلُق قلوبنا بأي شيء سوى الله عز وجلَّ.
2) قلة التعظيم لله عز وجلَّ .. ومن تعظيمه جلَّ وعلا: تعظيم أوامره ونواهيه .. يقول تعالى { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ..} [الحج: 30]، ويقول عز وجلَّ { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]
فعليك بالإكثـــــار من الذكر، وبالأخص التكبيـــــــر .. وهذا زمن التكبير وهو من السُنن المهجورة في أيام العشر.
وعظِّم ربَّك بقلبــــِك .. أصلِّح ركوعك وسل الله أن يُدخل اسمه العظيم في قلبك، كي تعظمه حق التعظيم.
3) الرضـــــا بالبُعد عن الله سبحـــانه وتعالى .. ليت قسوة القلوب تزول وتستمع إلى نداء الرحمن وهو يقول لعباده العاصين "متى جئتني قبلتك إن أتيتني ليلاً قبلتك، وإن أتيتني نهارًا قبلتك، وإن تقربت مني شبرًا تقربت منك ذراعًا، وإن تقربت مني ذراعًا تقربت منك باعًا، وإن مشيت إلى هرولت إليك، ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا أتيتك بقرابها مغفرة ولو بلغت ذنوبك عنـــــان السماء ثم استغفرتني غفرت لك .. ومن أعظم مني جودا وكرما؟ .. عبادي يبارزونني بالعظائم وأنا أكلؤهم على فرشهم، إني والجن والإنس في نبإ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر سواي .. خيري إلى العباد نازل وشرهم إليَّ صاعد .. أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي .. من أقبَّل إليَّ تلقيته من بعيد ومن أعرض عني ناديته من قريب ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد ومن أراد رضاي أردت ما يريد ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد"
4) الغفلة .. فالغالب على حالنا هو الغفلة عن ذكر الله سبحانه وتعالى، لذا علينا أن نُجدد توبتنا منها ونُكثِّر من الذكر وبالأخص الأذكار المُضاعفة مثل ".. سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته" [رواه مسلم].
5) ظُلمنـــــا لأنفسنــــــــــــــا .. فعندما نوفق لبعض الطاعات نعتقد إننا لسنا بحاجة لتجديد التوبة، وهذا من قلة حيائنا وتعظيمنا لله عز وجلَّ.