الحالة الأولى : الفاقد للمال
للمرء مع المال حالتان
1-إما أن يكون فاقداً للمال
2- أو أن يكون محرزاً له
أولا : الفاقد للمال
فأما الحالة الأولى ( الفقد ) فالإنسان فيها على حالتين أيضاً: مذمومة ومحمودة.
الحالة المذمومة
وهي على قسمين أيضاً: السخط مع الحسد، والسخط مع الحسد والبغي.
القسم الأول: السخط مع الحسد
وهو أن الإنسان لا يرضى بقضاء الله ويعترض على ما قدره الله له وقضاه وذلك مصداق قوله تعالى )فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ( [الفجر: 15، 16]، وهو من نسميه بعبد الدينار.
ومنه حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض" خرجه البخاري. في بعض طرق هذا الحديث "تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش)) خرجه ابن ماجة، وهو في هذا معترض على ركن ركين من أركان الإيمان وهو الإيمان بالقدر وهو الركن السادس ( وأن تؤمن بالقدر خيره وشره)
وهذا الاعتراض مشوب بالحسد فيقول لماذا أعطي فلان خيراً مني وهو مصداق قول الله تعالى )أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه ( [النساء: 54].
والحسد مذموم وصاحبه مغموم وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؛ رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الحسن: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد؛ نَفَس دائم، وحزن لازم، وعبرة لا تنفذ. وقال عبدالله بن مسعود: لا تعادوا نعم الله. قيل له: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، يقول الله تعالى في بعض الكتب: الحسود عدو نعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي.
ويقال: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض؛ فأما في السماء فحسد إبليس لآدم، وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل
ولقد أحسن من قال:
اصبر على حسد الحسو
فالنار تأكل بعضها
د فإن صبرك قاتله
إن لم تجد ما تأكله
وقال بعض أهل التفسير في قول الله تعالى: )ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين( [فصلت: 29]. إنه إنما أراد بالذي من الجن إبليس والذي من الإنس قابيل؛ وذلك أن إبليس كان أول من سن الكفر، وقابيل كان أول من سن القتل، وإنما كان أصل ذلك كله الحسد.
القسم الثاني: السخط مع الحسد والبغي
وهو أن يتعدى مرحلة الظلم الذي ظلمه لنفسه باعتراضه على قضاء الله وقدره وبحسده للناس إلى ظلم عملي لنفسه وللناس وذلك ببغيه عليهم إذ يبيح لنفسه أخذ المال منهم وذلك إما بسرقة أو نهب أو قطع للطريق أو برشوة أو اختلاس أو حتى بالقتل أحياناً..إلى آخر هذه الأمثلة من البغي على أموال الناس.
وقد قال صلى الله علليه وسلم: في أوسط أيام التشريق أذود الناس عنه فقال "يا أيها الناس، هل تدرون في أي شهر أنتم، وفي أي يوم أنتم، وفي أي بلد أنتم؟ قالوا: في يوم حرام، وشهر حرام، وبلد حرام، قال: فإن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه، ثم قال: اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تتظالموا ألا لا تتظالموا، إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه،…إلخ
وروى أبو داود، عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام، ماله، وعرضه، ودمه، حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)).
الحال المحمودة
ولها درجتان:
الدرجة الواجبة: الرضا مع الصبر
وهي الدرجة الواجبة على كل من كان فاقداً للمال، قال تعالى في سورة البقرة، الآية: 155)ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون(.
فالصبر على أقدار الله المؤلمة من صميم الإيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الإيمان: (( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره))
* وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل)) رواه الترمذي
* وعن إبراهيم بن محمد بن سعد عن أبيه عن جده قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ألا أخبركم أو أحدثكم بشيء، إذا نزل برجل منكم بلاء أو أمر من أمر الدنيا دعا ربه يفرج عنه؟)) فقالوا: بلى، قال: ((دعاء ذي النون:
)لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين( [ الأنبياء: 87].
الدرجة المستحبة: الرضا مع الشكر
وهي درجة راقية جداً لا تكون إلا لخواص المؤمنين الذين خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم مثل أيوب عليه السلام وسائر الأنبياء والخلص من أتباع الأنبياء في كل زمان.
قال يزيد بن ميسرة: لما ابتلي أيوب عليه السلام بذهاب الأهل والمال ولم يبق له شيء أحسن الذكر ثم قال: أحمدك رب الأرباب الذي أحسنت إلي فأعطيتني المال والولد فلم يبق من قلبي شعبة إلا قد دخله ذلك فأخذت مني ذلك كله وفرغت قلبي فليس يحول بيني وبينك شيء لو يعلم عدوي إبليس بالذي صنعت حسدني