إنها أم سليم الرميصاء أو الغميصاء بنت ملحان الأنصارية.
--------------------------------------------------------------------------------
عصامية امرأة
إنها امرأة لا كالنساء!
خِلْقتها امرأة وهمتها عن ألف امرأة !
صنعت مجدا، وأصلحت زوجا، وربت ابنا، ورسمت ذكرا، ونالت عند الله أجرا.
تملك نفسا على الحق ابية، وروحا عزيزة عن زخارف الدنيا الدنية.
رفع الله ذكرها لما رفعت ذكره، وأبقى اسمها لما وهبت نفسها له. وجعلها مضرب المثل في التضحية للدين وبناء الأسرة على منهج الإسلام.
إنها أم سليم الرميصاء أو الغميصاء بنت ملحان الأنصارية.
تزوجت في الجاهليه مالك بن النضر الأنصاري، فولدت منه غلاما اسمه أنس، وكان زوجها مولعا بالشراب ومعاقرت الخمر، مع ماهو فيه من عماية الجهل والشرك بالله العظيم.
وما هي إلا اعوام قلائل حتى سطع نورالاسلام على يثرب، ودب التوحيد في بيوتات الأوس والخزرج، وأصبح ما للناس حديث إلا الحديث عن هذا الدين الجديد، يتناقل الناس أخباره، ويتعرفوا على أحكامه.
فسمعت أم سليم بنبأ الدين الجديد ، فما أن طرق مسامعها إلا وآمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم وشهدت شهات الحق.
ألقت علائق الجاهلية وخرافتها وشركها، واستبدلت بالشرك توحيدا وبالباطل حقا ، فجاءها زوجها وقد كان غائبا، فقال لها: أصبوت ؟ فقالت: ما صبوت، ولكني آمنت !
وجعلت تلقن ابنها أنسا كلمة التوحيد وهو حينئذ لم يبلغ العاشرة من عمره، وتقول له : قل: لا إله إلا الله، قل: أشهد أن محمدا رسول الله، والغلام يردد معها ماتقول...
فقال لها زوجها الكافر: لا تفسدي علي ابني، لا تفسدي علي ابني. وهي تقول: إني لا أفسده !
وصدقت والله ، فمن يربي ولده على توحيد الله وطاعته إنما هو مصلح له لا مفسد.
أما زوجها الكافر فإنه لما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم يحرم الخمر وكان مولعا بشربها، قال لزوجته: أرى هذا الرجل- يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - يحرم الخمر.
فخرج فارَّا من الاسلام يريد الشام، فلقيه في الطريق عدو له فقتله. فمات على كفره...
تلقت المرأة المؤمنة الصابرة نبا وفاة زوجها، وتذكرت طفلها اليتيم أنس، فأخذت على نفسها ألا تتزوج حتى يبلغ أنس مبلغ الرجال، ويجلس في المجالس، فيقول: جزى الله أمي عني خيراً، لقد أحسنت ولايتي.
قال أنس: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن ثمان سنين، آزرتني أمي بنصف خمارها، وردَّتْني ببعضه، وأخذت بيدي فانطلقت بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم... فقالت: يا رسول الله ! لم يبق رجل ولا امرأة من الانصار إلا وقد أتحفك بتحفة، وأهداك بهدية، وإني لا أقدر على ما أتحفك به إلا ابني هذا، أتيتك به يخدمك، فادع الله له.
قال أنس: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم أكثر ماله وولده، وأطل حياته ".
فأكثر الله ماله وبارك له فيه، حتى إن بستانا له ليثمر في السنة مرتين، وولد له من صلبه نحو مئة نفس، وأطال الله عمره حتى مات سنة ثلاث وتسعين من الهجرة وعمره مائةٌ وثلاث سنين.
ثم إن رجلا من أشراف أهل المدينة، غنيا ذا جاه ومكانة، يسمى أبو طلحة الأنصاري، رغب في الزواج من أم سليم، فخطبها، وكان يومئذ على الشرك..
فقالت له أم سليم وهي تدعوه إلى الإسلام: يا أبا طلحة، ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد قد نبت من الأرض؟ -وكان يعبد صنما من الخشب- قال: بلى. قالت: أفلا تستحي أن تعبد شجرة! أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم ينحتها عبد آل فلان، وأنكم لو أشعلتم فيها نارا لاحترقت ؟
ثم عرضت عليه عرضا مغريا فقالت: ياأباطلحة، إن أسلمت، فإني لا أريد منك صداقاً غير الإسلام!!
فوجيء الرجل بهذا الطلب الغريب، فقال لها: أمهليني حتى أنظر في أمري...
فذهب وهو يفكر في مناقشتها له وما عرضت عليه من الإسلام، فما لبث أن وقر الإسلام في قلبه، فجاء إليها فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
فنالت مهرها الذي طلبته، ودخل أبو طلحة في الإسلام وشهد شهادة الحق، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام والنصرة.
فتم عند ذلك زواج أم سليم من أبي طلحة الأنصاري، وكان صداقها الإسلام لاغير.
فصنعت هذه المرأة من أبي طلحة أسدا من أسود الإسلام، حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم مزكيا له: " لصوت أبي طلحة أشد على المشركين من فئة "، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل " .
فصار أبو طلحة رضي الله عنه رجلا مسلما عابدا لله، يحمل بين جنبيه قلبا وقر فيه الإيمان فصدقه العمل، فسخر دنياه وغناه لتقربه إلى الله، يبيع الدنيا الفانية بالآخرة الباقية،
فمن ذلك أنهُ كَانَ من أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بستان يقال له: بَيْرُحَاءَ، َكَانَتْ أمام مسجد رسول صلى الله عليه وسلم من ناحية القبلة،ِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يخرج من مسجده أو من بيته متوجها إليها حتى يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائها الطَيِّبٍ،
قَالَ أَنَسٌ: لَمَّا أُنْزِلَ قول الله تعالى: { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }آل عمران92
فهزت هذه الآية كيان أبي طلحة، وحركت حب البر والطاعة في قلبه فقَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ:{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ.
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ"، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّه.
أما أم سليم رضي الله عنها فكانت تدير أسرتها في بيتها على أكمل وجه وأحسنه، قد ضربت لنساء العالمين أروع المثل في حسن العشرة، وشدة الحرص على راحت الزوج ، ولعل الحادثة التالية تبين شيئا من قوة تلك المرأة وشدة تحملها للمصائب والصعاب، مع الرضا التام بقضاء الله وقدره.
مرض ابنٌ لأم سليم مرضا شديدا، وكانت أم سليم وزوجها أبو طلحة يجلسان بعد مغرب أحد الأيام عند ابنهما المريض، وهو في شدة وكرب، فحان وقت صلاة العشاء، فخرج أبو طلحة إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، وفي أثناء ماهم في الصلاة توفي الغلام.
فهيأت أم سليم أمر الغلام ولفته في ثوب وأبعدته عن عين الداخل عليها، ثم قالت لمن عندها في البيت: لا تخبروا أبا طلحة عن أمر الغلام حتى اكون أنا التي اخبره!
أما أبو طلحة فسلَّم من صلاته ثم عاد مسرعا إلى بيته، ليطمئن على صحة ولده المريض
فلما على زوجته قَالَ مَا فَعَلَ ابْنِي؟
قَالَتْ: هُوَ أَسْكَنُ مِمَّا كَانَ، ففهم أبو طلحة أن صحته قد تحسنت، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ أم سليم الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثم تحركت نفسه لمواقعتها فتجملت له وتزينت ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا.
فلما كان من آخر الليل، قالت له أم سليم: يا أبا طلحة، ألم تر إلى آل أبي فلان استعاروا عارية، فمنعوها، وطُلبت منهم، فشق عليهم ردها.
فقال: ما أنصفوا. كيف يستعيرون من الناس ثم يطلب الناس متاعهم فيأبوا رده...
قالت: فإن ابنك كان عارية من الله عندك ثم إن الله فقبضه.
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، الحمد لله.
فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِصلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ،فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن جماعهما تلك الليلة؟ قَالَ: نَعَمْ، فدعا لهما فقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا.
فحملت أم سليم من جماعهما تلك الليلة، فوَلَدَتْ غُلَامًا.
فلما ولدته قَالَت لابنها أنس: احْمِلْ أخاك حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وأرسلت معه بتمرات ليحنكه النبي صلى الله عليه وسلم بها.
فاحتمله أنس ومعه التمرات حتى أتى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ليحنكه، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأَخَذَ التمرات فَمَضَغَهَا ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِمهِ الطاهرفَجَعَلَهَا فِي فِم الصَّبِيِّ، ثُمَّ حَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّه.
فهو عبدالله بن أبي طلحة النصاري.
فبارك الله في هذا الغلام فوُلد له سبعة أبناء، كلهم قد ختم القرآن، ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
عصامية امرأة
إنها امرأة لا كالنساء!
خِلْقتها امرأة وهمتها عن ألف امرأة !
صنعت مجدا، وأصلحت زوجا، وربت ابنا، ورسمت ذكرا، ونالت عند الله أجرا.
تملك نفسا على الحق ابية، وروحا عزيزة عن زخارف الدنيا الدنية.
رفع الله ذكرها لما رفعت ذكره، وأبقى اسمها لما وهبت نفسها له. وجعلها مضرب المثل في التضحية للدين وبناء الأسرة على منهج الإسلام.
إنها أم سليم الرميصاء أو الغميصاء بنت ملحان الأنصارية.
تزوجت في الجاهليه مالك بن النضر الأنصاري، فولدت منه غلاما اسمه أنس، وكان زوجها مولعا بالشراب ومعاقرت الخمر، مع ماهو فيه من عماية الجهل والشرك بالله العظيم.
وما هي إلا اعوام قلائل حتى سطع نورالاسلام على يثرب، ودب التوحيد في بيوتات الأوس والخزرج، وأصبح ما للناس حديث إلا الحديث عن هذا الدين الجديد، يتناقل الناس أخباره، ويتعرفوا على أحكامه.
فسمعت أم سليم بنبأ الدين الجديد ، فما أن طرق مسامعها إلا وآمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم وشهدت شهات الحق.
ألقت علائق الجاهلية وخرافتها وشركها، واستبدلت بالشرك توحيدا وبالباطل حقا ، فجاءها زوجها وقد كان غائبا، فقال لها: أصبوت ؟ فقالت: ما صبوت، ولكني آمنت !
وجعلت تلقن ابنها أنسا كلمة التوحيد وهو حينئذ لم يبلغ العاشرة من عمره، وتقول له : قل: لا إله إلا الله، قل: أشهد أن محمدا رسول الله، والغلام يردد معها ماتقول...
فقال لها زوجها الكافر: لا تفسدي علي ابني، لا تفسدي علي ابني. وهي تقول: إني لا أفسده !
وصدقت والله ، فمن يربي ولده على توحيد الله وطاعته إنما هو مصلح له لا مفسد.
أما زوجها الكافر فإنه لما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم يحرم الخمر وكان مولعا بشربها، قال لزوجته: أرى هذا الرجل- يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - يحرم الخمر.
فخرج فارَّا من الاسلام يريد الشام، فلقيه في الطريق عدو له فقتله. فمات على كفره...
تلقت المرأة المؤمنة الصابرة نبا وفاة زوجها، وتذكرت طفلها اليتيم أنس، فأخذت على نفسها ألا تتزوج حتى يبلغ أنس مبلغ الرجال، ويجلس في المجالس، فيقول: جزى الله أمي عني خيراً، لقد أحسنت ولايتي.
قال أنس: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن ثمان سنين، آزرتني أمي بنصف خمارها، وردَّتْني ببعضه، وأخذت بيدي فانطلقت بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم... فقالت: يا رسول الله ! لم يبق رجل ولا امرأة من الانصار إلا وقد أتحفك بتحفة، وأهداك بهدية، وإني لا أقدر على ما أتحفك به إلا ابني هذا، أتيتك به يخدمك، فادع الله له.
قال أنس: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم أكثر ماله وولده، وأطل حياته ".
فأكثر الله ماله وبارك له فيه، حتى إن بستانا له ليثمر في السنة مرتين، وولد له من صلبه نحو مئة نفس، وأطال الله عمره حتى مات سنة ثلاث وتسعين من الهجرة وعمره مائةٌ وثلاث سنين.
ثم إن رجلا من أشراف أهل المدينة، غنيا ذا جاه ومكانة، يسمى أبو طلحة الأنصاري، رغب في الزواج من أم سليم، فخطبها، وكان يومئذ على الشرك..
فقالت له أم سليم وهي تدعوه إلى الإسلام: يا أبا طلحة، ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد قد نبت من الأرض؟ -وكان يعبد صنما من الخشب- قال: بلى. قالت: أفلا تستحي أن تعبد شجرة! أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم ينحتها عبد آل فلان، وأنكم لو أشعلتم فيها نارا لاحترقت ؟
ثم عرضت عليه عرضا مغريا فقالت: ياأباطلحة، إن أسلمت، فإني لا أريد منك صداقاً غير الإسلام!!
فوجيء الرجل بهذا الطلب الغريب، فقال لها: أمهليني حتى أنظر في أمري...
فذهب وهو يفكر في مناقشتها له وما عرضت عليه من الإسلام، فما لبث أن وقر الإسلام في قلبه، فجاء إليها فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
فنالت مهرها الذي طلبته، ودخل أبو طلحة في الإسلام وشهد شهادة الحق، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام والنصرة.
فتم عند ذلك زواج أم سليم من أبي طلحة الأنصاري، وكان صداقها الإسلام لاغير.
فصنعت هذه المرأة من أبي طلحة أسدا من أسود الإسلام، حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم مزكيا له: " لصوت أبي طلحة أشد على المشركين من فئة "، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل " .
فصار أبو طلحة رضي الله عنه رجلا مسلما عابدا لله، يحمل بين جنبيه قلبا وقر فيه الإيمان فصدقه العمل، فسخر دنياه وغناه لتقربه إلى الله، يبيع الدنيا الفانية بالآخرة الباقية،
فمن ذلك أنهُ كَانَ من أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بستان يقال له: بَيْرُحَاءَ، َكَانَتْ أمام مسجد رسول صلى الله عليه وسلم من ناحية القبلة،ِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يخرج من مسجده أو من بيته متوجها إليها حتى يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائها الطَيِّبٍ،
قَالَ أَنَسٌ: لَمَّا أُنْزِلَ قول الله تعالى: { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }آل عمران92
فهزت هذه الآية كيان أبي طلحة، وحركت حب البر والطاعة في قلبه فقَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ:{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ.
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ"، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّه.
أما أم سليم رضي الله عنها فكانت تدير أسرتها في بيتها على أكمل وجه وأحسنه، قد ضربت لنساء العالمين أروع المثل في حسن العشرة، وشدة الحرص على راحت الزوج ، ولعل الحادثة التالية تبين شيئا من قوة تلك المرأة وشدة تحملها للمصائب والصعاب، مع الرضا التام بقضاء الله وقدره.
مرض ابنٌ لأم سليم مرضا شديدا، وكانت أم سليم وزوجها أبو طلحة يجلسان بعد مغرب أحد الأيام عند ابنهما المريض، وهو في شدة وكرب، فحان وقت صلاة العشاء، فخرج أبو طلحة إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، وفي أثناء ماهم في الصلاة توفي الغلام.
فهيأت أم سليم أمر الغلام ولفته في ثوب وأبعدته عن عين الداخل عليها، ثم قالت لمن عندها في البيت: لا تخبروا أبا طلحة عن أمر الغلام حتى اكون أنا التي اخبره!
أما أبو طلحة فسلَّم من صلاته ثم عاد مسرعا إلى بيته، ليطمئن على صحة ولده المريض
فلما على زوجته قَالَ مَا فَعَلَ ابْنِي؟
قَالَتْ: هُوَ أَسْكَنُ مِمَّا كَانَ، ففهم أبو طلحة أن صحته قد تحسنت، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ أم سليم الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثم تحركت نفسه لمواقعتها فتجملت له وتزينت ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا.
فلما كان من آخر الليل، قالت له أم سليم: يا أبا طلحة، ألم تر إلى آل أبي فلان استعاروا عارية، فمنعوها، وطُلبت منهم، فشق عليهم ردها.
فقال: ما أنصفوا. كيف يستعيرون من الناس ثم يطلب الناس متاعهم فيأبوا رده...
قالت: فإن ابنك كان عارية من الله عندك ثم إن الله فقبضه.
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، الحمد لله.
فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِصلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ،فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن جماعهما تلك الليلة؟ قَالَ: نَعَمْ، فدعا لهما فقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا.
فحملت أم سليم من جماعهما تلك الليلة، فوَلَدَتْ غُلَامًا.
فلما ولدته قَالَت لابنها أنس: احْمِلْ أخاك حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وأرسلت معه بتمرات ليحنكه النبي صلى الله عليه وسلم بها.
فاحتمله أنس ومعه التمرات حتى أتى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ليحنكه، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأَخَذَ التمرات فَمَضَغَهَا ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِمهِ الطاهرفَجَعَلَهَا فِي فِم الصَّبِيِّ، ثُمَّ حَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّه.
فهو عبدالله بن أبي طلحة النصاري.
فبارك الله في هذا الغلام فوُلد له سبعة أبناء، كلهم قد ختم القرآن، ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم