بسم
الله الرحمن الرحيم
أما
بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله - تعالى - وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه
وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بعدة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أما
بعد:
فاتقوا الله عباد
الله، واعلموا أن لحب الله ورسوله أثرًا عظيمًا على المؤمنين الذين يعملون الصالحات
في موافقتهم الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين يوم القيامة وحسن أولئك رفيقًا،
وذاك ما يصدقه حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - الذي اتفق عليه الشيخان أن رجلاً
سأل النبي عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: ((وما أعددت لها)) قال: لا شيء إلا أني
أحب الله ورسوله، فقال: ((أنت مع من أحببت)) قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول
النبي ((أنت مع من أحببت)) قال أنس: (فأنا أحب النبي وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون
معهم بحبي إياهم وإلا لم أعمل أعمالهم) فرح المسلمون فرحًا لم يفرحوا مثله بقول
النبي: ((أنت مع من أحببت)) وليس في قول الرجل السائل عن الساعة الذي قال له النبي
((ما أعددت لها)) ليس في قوله لا شيء يدل على ترك العمل، وهذا لا بد من التنبيه
عليه إذ أصبح فاشيًا بين الناس قوله: "لا شيء" لا يعني أنه يترك العمل لأن الآية
الكريمة من سورة آل عمران قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني بحببكم الله ويغفر لكم
ذنوبكم فحجة على كل من ادعى المحبة ولم يعمل ولم يطع الله ورسوله، فلو لم يكن
عاملاً مدعيًا للمحبة فحسب من غير عمل فخصمه النبي بهذه الآية، ولقال له: أين دليل
المحبة لكنه قصد "لا شيء" أنه لم يُعِدَ للساعة عملاً من الأعمال الضخام التي
تستوجب ثوابًا عظيمًا هائلاً يوم القيامة، هو عامل من العمال المسلمين يعمل لله-
تبارك وتعالى - عملاً عاديًا فيه امتثال لله - تبارك وتعالى -، وفيه طاعة يأتمر بما
به الله أمر، وينزجر عمّا عنه الله زجر، وليس عنده من الأعمال ما يطمع في أن يستوجب
له ثوابًا عظيمًا، هذا الحديث الجليل يؤكد أن حب الله ورسوله يلحق العامل العادي
بالمقربين والسابقين والأخيار، ويجعله معهم يوم القيامة كما قال أنس: (فأنا أحب
النبي وأبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - وأرجو أن أكون معهم) وفي رواية أخرى: (أرجو
أن يحشرني الله معهم يوم القيامة وإن لم أعمل أعمالهم) أي وإن لم أعمل مثل أعمالهم
العظيمة التي خلدها التاريخ، وما زالت أصداء آثارها ترن في سمع السماء "أنا أرجو أن
أكون معهم وإن لم أعمل أعمالهم فهو حب الله إذًا وحب رسوله، وينبغي على العبد إذا
كان صادقًا في حب الله - تبارك وتعالى - وحب رسوله أن يحب ما يحب الله - تبارك
وتعالى -، فعليه أن يحب جميع الأنبياء، لأن الله يحبهم وعليه أن يحب كل ما علم أنه
مات على الإيمان والتقوى؛ لأن الله يحبهم كالذين شهد لهم الرسول مثلاً بالجنة
وكغيرهم من أهل بدر وأهل بيعة الرضوان والصحابة والتابعين من بعدهم، والأئمة الأجلة
كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وسفيان الثوري وعبد الله بن المبارك والفضيل بن
عياض وأبي سليمان الداراني وغيرهم، وهم كثير من الأفاضل الأجلاء الذين استفاض عملهم
بطاعة الله ورسوله واستفاضت أنباء تقواهم وصلاحهم واستقامتهم وموتهم على الإيمان
والتقوى، فالصادق في حب الله- تبارك وتعالى -يحب ما يحبه الله- تبارك وتعالى -وهذا
هو الحب لله، ولما كان الحب لله أوثق عرى الإيمان فقد قال أنس: "فإني أحب النبي
وأبا بكر وعمر