الحلقة العشرون من فوائد الذكر
الفائدتان 76-77
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتاب الوابل الصيب
الفائدة السادسة والسبعون :
وهي النوع الثاني من أصل نوعي الذكر
وهي أن من الذكر : ذكر أمره ونهيه وأحكامه .
وهو أيضا نوعان :
أحدهما : ذكره بذلك إخباراً عنه : أَمَرَ بكذا ، ونهى عن كذا ، وأحب كذا ، وسخط كذا ، ورضي كذا .
والثاني : ذكره عند أمره فيبادر إليه ، وعند نهيه فيهرب منه .
فذِكْرُ أمره ونهيه شيءٌ ، وذِكْرُهُ عند أمره ونهيه شيءٌ آخر، فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكر فذكره أفضل الذكر وأجله وأعظمه .
فائدة: فهذا الذكر من الفقه الأكبر وما دونه أفضل الذكر إذا صحت فيه النية .
ومِنْ ذِكْرِهِ سبحانه وتعالى ذكرُ آلائه وإنعامه وإحسانه وأياديه ومواقع فضله على عبيده وهذا أيضا من أَجَلِّ أنواع الذكر .
فهذه خمسة أنواع وهي تكون بالقلب واللسان تارة وذلك أفضل الذكر، وبالقلب وحده تارة وهي الدرجة الثانية ، وباللسان وحده تارة وهي الدرجة الثالثة . فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان .
وإنما كان ذكرُ القلب وحده أفضلَ من ذكر اللسان وحده لأن ذكر القلب يثمر المعرفة ، ويهيج المحبة ، ويثير الحياء ، ويبعث على المخافة ، ويدعو الى المراقبة ، ويزع عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئا من هذه الآثار ، وإن أثمر منها شيئاً فثمرة ضعيفة .
الفائدة السابعة والسبعون :
الذكر أفضل من الدعاء .
الذكر ثناءٌ على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه ، والدعاء سؤال العبد حاجته فأين هذا من هذا ؟.
ولهذا جاء في الحديث : ( من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ) ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله تعالى والثناء عليه بين يدي حاجته ، ثم يسأل حاجته ، كما في حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله تعالى ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عَجِلَ هذا) ، ثم دعاه فقال له أو لغيره : (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه عز وجل والثناء عليه ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو بعد بما شاء). رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح ، ورواه الحاكم في صحيحه .
وهكذا دعاء ذي النون عليه السلام قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم :
( دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربته : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ).
وفي الترمذي : ( دعوة أخي ذي النون اذ دعا وهو في بطن الحوت " لاإله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين "، فإنه لم يدع بها مسلم قط الا استجاب له ).
وهكذا عامة الأدعية النبوية على قائلها أفضل الصلاة والسلام ومنه قوله في دعاء الكرب : ( لاإله إلا الله العظيم الحليم ، لاإله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم ) .
ومنه حديث بريدة الأسلمي الذي رواه أهل السنن وابن حبان في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو وهو يقول : ( اللهم إني أسالك بأني أشهد أنك أنت الله لاإله إلا أنت ، الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فقال : والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي دعي به أجاب واذا سئل به أعطى ).
وروى أبو داود والنسائي من حديث أنس رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلي ثم دعا : اللهم اني أسالك بأن لك الحمد ولاإله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض ياذا الجلال والاكرام يا حي ياقيوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لقد دعا الله باسمه الاعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ) .
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء يستجاب إذا تقدمه هذا الثناء والذكر وأنه اسم الله الأعظم ، فكان ذكر الله عز وجل والثناء عليه أنجح ما طلب به العبد حوائجه .