الحلقة السادسة من فوائد الذكر
الفائدة الخامسة والثلاثون
* الفائدة الخامسة والثلاثون : قال الإمام ابن القيم رحمه الله : إن الذكر يُسَيِّرُ العبد وهو في فراشه وفي سوقه وفي حال صحته وسقمه وفي حال نعيمه ولذته ، وليس شئ يعم الأوقات والأحوال مثل الذكر ، حتى يسير العبد وهو نائم على فراشه فيسبق القائم مع الغفلة ، فيصبح هذا وقد قطع الركب وهو مستلق على فراشه ويصبح ذلك الغافل في ساقة الركب وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
وحكي عن رجل من العباد أنه نزل برجل ضيفا فقام العابد ليلته يصلي وذلك الرجل مستلقٍ على فراشه فلما أصبحا قال له العابد : سبقك الركب أو كما قال ، فقال : ليس الشأن فيمن بات مسافرا وأصبح مع الركب الشأن فيمن بات على فراشه وأصبح قد قطع الركب .
وهذا ونحوه له محمل صحيح ومحمل فاسد ، فمن حكم على أن الراقد المضطجع على فراشه يسبق القائم القانت فهو باطل وإنما محمله أن هذا المستلقي على فراشه علق بربه عز وجل وألصق حبة قلبه بالعرش وبات قلبه يطوف حول العرش مع الملائكة قد غاب عن الدنيا ومن فيها وقد عاقه عن قيام الليل عائق من وجع أو برد يمنعه القيام أو عاقه الخوف على نفسه من رؤية عدو يطلبه أو غير ذلك من الأعذار ، فهو مستلق على فراشه وفي قلبه ما الله تعالى به عليم ، وآخر قائم يصلي ويتلو وفي قلبه من الرياء والعجب وطلب الجاه والمحمدة عند الناس ما الله به عليم ، أو قلبه في واد وجسمه في واد ، فلا ريب أن ذلك الراقد يصبح وقد سبق هذا القائم بمراحل كثيرة فالعمل على القلوب لا على الأبدان ، والمعول على الساكن لا على الأطلال ، والاعتبار بالمحرك الأول ، فالذكر يثير العزم الساكن ، ويهيج الحب المتواري ويبعث الطلب الميت .