يبدو ان الامه المسلمة قد نفضت يدها من القضايا الكبرى التى تؤثر فى وجودها ومستقبلها والتى تقتضى النضال الجاد للحفاظ على هويتها وكرامتها واتجهت الى اختراع مجالات تساعد اعداءها على تبدبد طاقاتها فيما لا يعود بنفع وفضلت التراشق والاتهامات على الحوار والجدال بالتى هى احسن !!وممايدل على ذلك ما حدث اخيرا فى موضوع (النقاب) وهو موضوع قديم تباينت فيه الاراء بين العلماء والفقهاء حيث لم ترد فيه نصوص قطعيه تحسم الخلاف مكان فيه مجال الاجتهاد.
والاصل فى ذلك ان القرءان الكريم حين طلب من النساء ان يضربن بخمارهن على جيوبهن قد حدد ستر الجيب وهو فتحة الصدر بغطاء الرأس ولان الصحابيات كن حريصات على تنفيذ الامر الالهى بسرعه وفوريه ارخين الخمار من الامام على صدورهن فأدى ذلك الى ستر الوجه والعينين فنقبن الغطاء امام العينين ليبصرن الطريق وراهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم ينكر فصار اقرارا منه.
لكنه رأى نموذجا اخر من تغطية الجيب باسقاط الخمار على الصدر من الخلف فظهر الوجه وتغطى الصدر ولم ينكر النبى صلى الله عليه وسلم هذا النموذج وذلك واضح فى حديث سفعاء الخدين اذ لو لم تكن هذه المرأة كاشفة وجهها ما وصفها الراوى بذلك ثم جاء موسم الحج فمنع النبى صلى الله عليه وسلم الطريقة الاولى التى يختفى فيها الوجه فمنع المحرمة من النقاب ومن لبس القفازين فى اليدين بالرغم من ان الحج تختلط فيه الرجال بالنساء.
وحديث عائشة عن اسدال الثوب على الوجه حين ترى الرجال وهى محرمة قال عنه المحققون انه حديث لا يعول عليه.
واذن فكلتا الطريقتين التى اطلق عليهما الان مسمى (النقاب والحجاب) تؤديان الى المطلوب القرأنى وهو غطاء الجيب ويترتب على ذلك ان ستر الصدر هو الواجب الذى لم يختلف عليه احد لورود النص القطعى القرأنى فيه اما ستر الوجه فهو مشروع باقرار النبى صلى الله عليه وسلم له وكشف الوجه ايضا مشروع بنفس الدليل.
ومن هنا رفض حمهور الفقهاء واهل الحديث القول بفريضة النقاب وفى ذلك يقول العلامة الالبانى فى كتابه عن (الحجاب) لم يرد حديث صحيح يوجب النقاب وقد تباينت الاراء فى الفترة الاخيرة بين من يقول ان النقاب عادة جاهلية وليس فى شرع الله ما يدل عليه ومن يقول انه فرض لازم تفسق وتأثم من لا تلبسه والحقيقة بينهما انه مشروع لا ممنوع فضل لا فرض.
فمن البدهى ان سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تتمثل فى اقواله وافعاله وتقريراته وكم من عادة جاهلية اقرها الاسلام فصارت من الشرع وكم من عادة رفضها فصارت حراما.
غير انه مما يجب التنبيه له ان تلتزم من تكشف وجهها بعدم وضع المساحيق التى تلفت اليها انظار الرجال وان تلبس ما لا يشف ولا يصف ولا يلفت النظر فهذا هو الواجب الذى لا خلاف حوله فعلى المنقبة الا تعترض على المحجنة وعلى المحجبة كذلك الا تعترض على المنقبة.
وعلى الامة اليوم ان تفتح صدرها للخلاف الفقهى المستند الى دليل كما سمح لها بذلك الجبيب المعصوم حين اقر الصحابة على اجتهادهم فى تنفيذ نهيه عن صلاة العصر الا فى بنى قريظة فالتزم بعضهم بالنهى وامتنع عن الصلاة فى الطريق وفهم البعض الاخر انه يقصد الاسراع فصلى قبل ان يصل الى بنى قريظة فلم يعنف احدا واقر كلا منهما على ما فهم وما صنع.
وهناك الكثير مما يجب ان تشغل الامة نفسها به من الحفاظ على مقدساتها وثوابت دينها ووحدة شعبها وصدق الله العظيم فى قوله .(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين).