الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين ، أما بعد فقد جبل الإنسان على حب المال، ولكن كيف يحفظ الإنسان كرامته دون الوقوع في شباك المال؟ وكيف يمكن للمال أن يحفظ للإنسان كرامته؟
نقول لقد سمي المال خيرا وقد جبل الإنسان على حبه ؛ قال تعالى: )وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيد( [العاديات: 8] – والخير هنا هو المال ،
وقال جل ثناؤه: )كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ( [البقرة: 180].
والمال لا يذم لذاته، بل يمدح إذا كان سبباً للتوصل لمصالح الدنيا والدين:
قال سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى: لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله، يكف به وجهه عن الناس، ويصل به رحمه، ويعطي منه حقه.
فأما كسب المال فإن من اقتصر على كسب ما يبلغه الحياة من حلها فذلك أمر لا بد منه.
وأما من قصد جمعه والاستكثار منه من الحلال فإنه ينظر في مقصوده: فإن قصد المفاخرة والمباهاة فبئس المقصود، وإن قصد إعفاف نفسه وعائلته، وادخار المال لحوادث زمانه وزمانهم، وقصد التوسعة على الإخوان، وإغناء الفقراء، وفعل المصالح أثيب على قصده، وكان جمعه بهذه النية أفضل من كثير من الطاعات.
وقد كانت نيات خلق كثير من الصحابة في جمع المال سليمة لحسن مقاصدهم بجمعه، فحرصوا عليه وسألوا زيادته.
وكان سعد بن عبادة رضي الله عنه يقول في دعائه: اللهم وسع علي.
وقال شعيب لموسى عليهما السلام: )فإن أتممت عشرا فمن عندك( [القصص: 27]
وهو فتنة كما قال تعالى: )إنما أموالكم وأولادكم فتنة( [الأنفال: 28]
والمال لا يذم لذاته؛ بل يقع الذم لمعنى في الآدمي:
إما لشدة حرصه عليه، أو لتناوله من غير حله، أو حبسه عن حقه، أو إخراجه في غير وجهه، أو المفاخرة به، قال يحيى بن معاذ: مصيبتان للعبد في ماله عند موته لا تسمع الخلائق بمثلهما، قيل ما هما؟، قال: يؤخذ منه كله، ويسأل عنه كله.
والمشكلة كلها تكمن في تهافت الانسان على المال لجهله او نسيانه بأن الرزق مقسوم قبل ان يولد فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: ((ان أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد)).. متفق عليه.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن رزق الله لا يجره إليك حرص حريص، ولا يرده كراهة كاره.
والرزق ليس بالضرورة مالاً: فالرزق صحة، والرزق عافية، والرزق ستر، والرزق محبة الناس، و الرزق زوجة صالحة، والرزق أبناء بررة بآبائهم،والرزق جار صالح، والرزق توفيق من الله وتسديد.. إلخ وللحديث بقية في الحلقات التالية انشاء الله.