رقية القلب

منتدى رقية القلب

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بالتسجيل

الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل

إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

جزاكم الله خيرا


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

رقية القلب

منتدى رقية القلب

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بالتسجيل

الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل

إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

جزاكم الله خيرا

رقية القلب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


2 مشترك

    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة

    جزائري
    جزائري
    عضو جديد
    عضو جديد


    ذكر عدد الرسائل : 27
    العمر : 41
    اسم البلد : algeria
    المزاج : calm
    احترام قوانين المنتدى : الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة 11101010
    نــقــاط الـتـمــيــز : 5386
    تــقــيـيــم الـعــضــو : 1
    البيانات الشخصية : الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة 15781610
    تاريخ التسجيل : 24/09/2009
    وسام المنتدى وسام المنتدى :
    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty0 / 1000 / 100الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty

    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty
    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty
    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty
    وسام التميز : الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty
    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty
    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty
    صورة المنتدى

    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة

    مُساهمة من طرف جزائري الخميس سبتمبر 24, 2009 6:50 pm

    المبحث الأول :تجديد فعالية الفكرة الإسلامية:

    1. وجوب قراءة الإسلام قراءة سوسيولوجية:

    بعد أن خلصنا في الفصل الأول أن علة تخلف مجتمعاتنا الإسلامية يعود في الأصل إلى اضمحلال فعالية الفكرة الدينية (الإسلامية) وانكماش دورها في تفعيل عناصر الحضارة (إنسان، تراب، وقت). وخاصة في تحريك القوة الكامنة لدى الفرد المسلم ، التي بواسطتها يبث الحياة في واقعه الراكد الخامل، ويشق طريقه نحو نور الحضارة والتاريخ هنا.نتساءل حول سبب تراجع واضمحلال ولا فعالية الفكرة الدينية في نظر مالك بن نبي عن لعب دورها في تحريك مجتمعات العالم الإسلامي الراهن؟.

    يرجع مالك بن نبي هذا الاضمحلال واللافعالية إلى عدم فهمنا للدين الإسلامي فهما سوسيولوجيا "اجتماعيا"، عميقا يحفظ له القدرة على التفاعل الديمومي مع الحياة واشتغاله-الدين- للحيز الحياتي لدى كل فرد مسلم حتى نضمن السير في نفس الاتجاه للهدف العام لتأسيس مجتمع حضاري قوي ومتين.

    ومن خلال القراءة التاريخية لدور الإسلام في بناء الحضارة العربية الإسلامية نلاحظ أنه قام -الإسلام- بإرساء قواعد الشبكة الاجتماعية للمجتمع العربي الذي كان يصنف في خانة المجتمعات البدائية. وأدخله التاريخ بعد أن كان على هامشه، بإعطائه سبل التفكير في تغير الواقع من حوله فقامت حضارة إسلامية.

    ولكن فيما بعد و في الوقت الذي ركزت فيه الجهود الفكرية في مناقشة المسائل الفقهية، وكذا موضوعات علم الكلام، والفلسفة اليونانية في عصر الفارابي وابن سينا، وبعض العلماء المسلمين، دون أن ننكر فضلهم في تكوين التراث العربي الإسلامي لم يعط هؤلاء الثقافة العربية الإسلامية الأهمية التي تستحقها لتطوير الفرد من الناحية الاجتماعية.

    لذا نعتبر أن " الخطأ ليس في الإسلام وثوابته الشرعية الصالحة لكل زمان ومكان وإنما الخطأ يكمن في سوء فهمنا للإسلام، وإهمال دوره في تطوير المجتمع"[1]. لهذا يرى صاحبنا "مالك" "أننا اليوم لوتحدثنا عن قدر من السلبية في المجتمع الإسلامي فلا مجال إطلاقا أن نرجعها إلى الإسلام – كما اعتاد بعض المستشرقين – ولكن إلى تطبيقه التاريخي"[2].

    وبهذا بدأ مالك بن نبي في هذه المسألة ليعطي فهمه الصحيح للإسلام الفاعل المحرك لسلوك الفرد والجماعة.

    الدين الذي تتجدد فيه القيم الروحية التي تعمل على حركة المجتمع نحو الغايات النبيلة والإسلام، هو وحده الكفيل بإعادة الدفع الحضاري للمسلم اليوم. ووقايته من شرور الانحراف الثقافي. وبذلك يمتلك الطاقة لصنع التقدم لهذا فإن "قوة التماسك الضرورية في المجتمع الإسلامي موجودة بكل وضوح في الإسلام. ولكن آي إسلام؟ الإسلام المتحرك في عقولنا وسلوكنا والمنبعث في صورة إسلام اجتماعي. وقوة التماسك هذه جديرة بأن تؤلف لنا حضارتنا المنشودة[3]".



    2. تأثير الفكرة الإسلامية في عناصر الحضارة ( الفكرة الدينية مهد الحضارة):

    بعد أن صاغ "مالك بن نبي" الحضارة في معادلة رياضية على شكل قانون علمي

    الحضارة= الإنسان+ التراب+ الوقت

    ارتأى أن يقرأ هذه المعادلة الحضارية على نحو معادلة كيميائية. كمعادلة الماء الذي يتركب في الأساس من أوكسجينO وهيدروجينH . ماء=H2O

    حيث من المعروف في حقل معرفي كالكيمياء أن "الأوكسجين" إذا وضع بجانب "الهيدروجين" لا ينتج بالضرورة "ماء" ذلك أنه لابد من "عنصر أخر مركب " catalyseur » « لهذين العنصرين يزيد من طاقة التفاعل فيما بينهما لينشأ –وفق عملية تركيبية- الماء.

    وحسب مالك بن نبي كباحث ومنظر وفيلسوف حضارة احتكم إلى مختبر التاريخ فوجد أن عناصر الحضارة الثلاث (الإنسان+ التراب+ الوقت) ليس بإمكانها لوحدها خاصة وهي منعزلة عن بعضها البعض أن تصنع الحضارة. وإنما الأمر يتطلب تدخل (مركب،مشحذ، قادح) " " catalyseur في ذلك. بحيث بدونه تصير هذه العناصر كما أو كداسا هلاميا لا روح فيه[4].

    هذا القادح هو الفكرة الدينية لهذا اهتم مالك بن نبي كثيرا بالفكرة الإسلامية خصوصا ودورها الكبير في تفعيل (dynamiser ) حياة الإنسان. التراب والوقت في مجتمعاتنا الإسلامية. أي أن الفكرة الإسلامية هي مصدر توازن الإنسان (تعرفه بنفسه وهدفه) وبهذا تقوده إلى استغلال ماهو متاح أمامه (التراب) وبتعاقب (الزمن) تنتج حضارة في آخر المطاف.

    فالفكرة إذا سواء كانت دينية أولا دينية إنما هي في لحظة تفاعلها النفسي الاجتماعي مشحّذ للحضارة[5].

    وفيما يلي نفصل كيف يمكن للفكرة الإسلامية أن تغير وتفعل عناصر الحضارة ابتداء بالإنسان وفقا للآية الكريمة "...لن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا مابأنفسهم"[6] ليشمل التغيير فيما بعد الواقع من خلال استغلال قيمتي التراب والوقت.



    المبحث الثاني :كيفية تفعيل عناصر الحضارة في العالم الإسلامي عند مالك بن نبي

    -توجيه المسلم المعاصر نحو الحضارة:

    1. الإنسان:

    بالنظر الفاحص لمؤلفات مالك بن نبي يتضح لنا أن هذا الأخير يعطي عنصر الإنسان أهمية بالغة، فهو في نظره منبع وأساس المشكلة الحضارية كلها، وأي تفكير في مشكلته هو بالأساس تفكير في مشكلة الحضارة[7].

    إلا أن مشكلة الإنسان (بالمفهوم العام) تختلف باختلاف البيئة التي يعيش فيها و معطياتها فالإنسانية لا تعاني مشكلة واحدة بل مشكلات متنوعة تبعا لتنوع مراحل التطور الإنساني (التاريخ) فلا يمكن لنا أن نوازن في الوقت الحاضر بين إنسان أوروبا المستعمر colonisateur وإنسان العالم الإسلامي القابل للاستعمار أو التبعية colonisable لأن كليهما في طور تاريخي خاص به[8].

    وهذا ما نعانيه اليوم كعالم إسلامي ينتمي إلى خانة التخلف فإن كان مالك بن نبي قد أخذ مثاله من واقعه باعتباره عايش تجربة الاستعمار. فحالنا اليوم لا يختلف كثيرا عن تلك الحقبة الاستعمارية التي مر بها العالم الإسلامي في خضم ما يسمى اليوم بالعولمة. فهاهو الغربي يريد أن يفرض قيمه ليسود العالم لأنه يعتبر نفسه هو الإنسان المتحضر الذي بلغ أرقى مراتب الإنسانية وما على الفرد المتخلف إلا أن يسير على نهجه بأن يتبنى قيمه وإيديولوجيته وأن يتفسخ ويتنكر المتخلف لخصوصياته وقيمه الأصلية باعتبارها هي التي أسقطته في دائرة التخلف.

    فمجتمعات عالمنا الإسلامي بحاجة إلى أفراد حركيين، فعالين، قادرين عبر سيرهم في التاريخ على تحقيق الشهود الحضاري، مستخدمين في ذلك التراب والوقت والمواهب في بناء أهدافهم الكبرى.

    ومن الضروري في نظر "مالك بن نبي" أن نضع نصب أعيننا المشكلة بأكملها وأن نأخذ أولا وقبل كل شيء في الاعتبار عنصرها الإنساني: الإنسان. ويلزمنا أولا هنا أن نفهم: كيف يؤثر الإنسان في تركيب التاريخ؟.

    وفي هذا الصدد يرى "مالك بن نبي" بأن الإنسان يؤثر في المجتمع بثلاث مؤثرات: أ. بفكره، ب. بعمله، جـ.بماله

    ومن الممكن قلب الصيغة والقول بأن قضية الإنسان في المجتمع الذي يعاني أزمة حركة ونمو على مستوى مختلف الخطوط التنموية (الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، الفكرية....) منوطة بتوجيهه في ثلاث نواحي: أ. توجيه الثقافة، ب. توجيه العمل، جـ. توجيه رأس المال.

    - فكرة التوجيه: ماذا نقصد بفكرة التوجيه؟ وما أهميتها؟

    حتى تتحقق الفاعلية النهضوية المنشودة والمرجوة يقترح مالك بن نبي فكرة التوجيه حيث أن الحضارة عنده كما ذكرنا سابقا مكونة من ثلاثة عناصر هي: (الإنسان+التراب+الوقت) و"الإنسان" هو الرجل و المرأة وهو يفرد للمرأة فصلا خاصا يطرح فيها مشكلتها في منظوره الدائم " نحن لا نرى لزاما علينا أن يكون تناولنا للموضوع بعيدا عن تلك الأناشيد الشعرية التي تدعو إلى تحرير المرأة، فالمشكلة لا تتحدد في الجنس اللطيف فحسب. أو في بنات المدن أو في بنات الأسر الراقية. بل فوق ذلك تتعلق بتقدم المجتمع وتحديد مستقبله وحضارته"[9].

    هذا ويعود إلى مشكلة الفرد وتوجيهه إذ يرى أنه يؤثر في المجتمع بثلاثة مؤشرات بفكره وعمله وماله ومن هنا يجب أن نبحث في توجيه الثقافة وتوجيه رأس المال وتوجيه العمل[10].

    ويقصد مالك بن نبي بفكرة التوجيه "قوة في الأساس وتوافق في السير ووحدة في الهدف"[11] أي أنها عملية أو إستراتيجية ضرورية لـ"تجنب الإسراف في الجهود والوقت".

    فكم من طاقات وقوى لم تستخدم لأننا لا نعرف كيف نكتلها ونستثمرها. وكم من طاقات وقوى ضاعت فلم تحقق هدفها حين زحمتها قوى أخرى صادرة عن نفس المصدر متجهة إلى نفس الهدف، فالهدف هو إدارة ملايين السواعد العاملة والعقول المفكرة في أحسن الظروف الزمنية لكل واحد من هذه الملايين" وفي هذا تكمن فكرة توجيه الإنسان الذي تحركه دفعة دينية وبلغة الاجتماع: الذي يكتسب من فكرته الدينية معنى "الصناعة" ومعنى "الكفاح".

    أ‌. توجيه الثقافة:

    إذا كانت الثقافة من بين المسائل أو الظواهر الإنسانية الأساسية فهي تتطلب بإلحاح تعريفين: الأول: يحددها في إطار الحالة الراهنة والثاني: يحددها وفق النظرة إلى المستقبل.

    إن التحديد المزدوج للثقافة – في إطار الحالة الراهنة وحسب المصير (المستقبل)- لا يعتبر ذا أهمية أو أثر بالغ إلا إذا زال الخلط الشائع بين مصطلح "الثقافة" و مصطلح "العلم".

    فمعظم التفسيرات التي قدمت بشأن "الثقافة" يمكن ردها في نظر مالك بن نبي إلى مدرستين العصبة[12]:

    - المدرسة الغربية: التي ظلت وفية لتقاليد عصر النهضة وهي ترى عموما أن الثقافة ثمرة الفكر.

    - المدرسة الماركسية: التي ترى أن الثقافة في جوهرها ثمرة المجتمع.

    إن هذين الصنفين من التفسيرات يعدان من الواجهة التربوية مشتملين على "فكرة عامة" عن الثقافة. دونما أي تحديد لمحتواها القابل لأن يدخله التعليم في سلوك الفرد ونمط الحياة في المجتمع وهذا ما يحاول "مالك بن نبي" أن يقوم به حينما يربط ربطا شديدا بين الثقافة والحضارة إذ على هذا الربط تصبح الثقافة في مفهومه نظرية في السلوك أكثر من أن تكون نظرية في المعرفة وبهذا يمكن أن يقاس الفرق الضروري بين الثقافة والعلم[13].

    وحتى يتسنى لنا فهم الفرق بين الثقافة والعلم. يضرب لنا مالك بن نبي مثالين غاية في الدقة كعادته. المثال الأول يتعلق بفردين كلاهما يمارس وظيفة تختلف عن وظيفة الآخر ولكنهما ينتميان إلى مجتمع واحد كطبيب انجليزي وراع انجليزي".

    أما المثال الثاني فيتعلق بفردين كلاهما يمارس الوظيفة نفسها ولكنهما لا ينتميان إلى مجتمع واحد، بل إلى مجتمعين مختلفين في درجة تقدمهما كطبيب صيني وطبيب انجليزي.

    فالفردين الأولين تتميز سلوكياتهما إزاء مشكلات الحياة بتماثل معين في الرأي (ثقافة انجليزية). أما الفردين الآخرين فتختلف سلوكياتهما أحيانا اختلافا كبيرا بل عجيبا ينم عن طابع الثقافة الذي يميز أحد هذين الفردين عن زميله، وذلك تبعا لطابع الثقافة الذي يميز المجتمع الذي ينتمي إليه هذا الفرد عن المجتمع الذي ينتمي إليه هذا الفرد عن المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد الآخر.

    ومنه النهضة عند مالك بن نبي هي تصفية للعادات والتقاليد في الإطار الخلقي والاجتماعي من رواسب الماضي الضارة وبناء فكر جديد يقوم سلوك الفرد ويوجهه ويكمن هذا الفكر الجديد في نظر بن نبي في الفكرة الإسلامية الصافية[14] التي تخطط للمستقبل. ومنهج هذا التفكير يقوم على أربعة عناصر: الدستور الأخلاقي، الذوق الجمالي والمنطق العملي والصناعة. ومنه فتوجيه الثقافة يرتكز على توجيه هذه العناصر الأربعة:

    أ.1. التوجيه الأخلاقي بهدف بناء عالم الأشخاص:

    لا ينظر مالك بن نبي إلى عنصر الأخلاق من زاوية فلسفية وإنما من زاوية اجتماعية تتحدد على وجه الدقة في "قوة التماسك" في مجتمع يطمح إلى تكوين وحدة اجتماعية تاريخية حضارية هذه القوة ترتبط في أساسها بغريزة الحياة في الجماعة عند الفرد والتي تتيح له تكوين القبيلة، والعقيدة الدينية، والأمة، وهذا ما تحدث عنه مفكرون عديد ون (ابن خلدون مونتسكيو...) عندما تفطنوا إلى أن القبائل الموغلة في البداوة انطلقت من نقطة غريزة الحياة في جماعة لدى الفرد لتكوين القبيلة العشيرة، المدينة والأمة.

    ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن المجتمع الذي يتجمع أفراده لتكوين حضارة ما هو بدوره يستخدم الغريزة نفسها ولكن يزيد عليها بتهذيبها وتوظيفها بروح خلقية سامية. ومصدر هذه الروح الخلقية حسب صاحبنا دائما الأديان ووظيفتها الاجتماعية ربط أفراد المجتمع بعضهم ببعض، كما تشير إلى ذلك الآية القرآنية "وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم"[15].

    وقد خطأ مالك بن نبي أولئك الذين ينظرون إلى المدنية الغربية ويؤسسونها على غلط منطقي - جلهم ينتسبون إلى العالم غير المتقدم – يعزونها "المدنية الغربية" وكان تاريخها قد ابتدأ من يوم ألفتنا أنظارنا إليها فنعيرها بذلك اهتمامنا في صورته الطارئة المجترأة والسطحية وليس في صورته المتأنية و المعمقة[16].

    وأعطانا مالك بن نبي مثالين في هذا الصدد: الأول جمعية حضانة الأطفال في فرنسا والثاني اختراع جهاز الراديو. في الأول يقول مالك بن نبي أنه لو تتبعنا فكرة إنشاء هذه الجمعية تاريخيا نجد أن الفكرة تعود إلى القديس (فانسان دي بول) وبالتالي فإنها دينية محضة أما الثاني أي المذياع نرى فيه مجهودات علمية فنية مختلفة دون أن يخطر ببالنا أثر القيم المسيحية في بناءه.

    بينما هو في الواقع أثر من تلك العلاقة الاجتماعية التي وحدت جهود مختلفة لـ: هرتز الألماني وبوبوف الروسي وبرانلي الفرنسي وماركوني الإيطالي وفلمنغ الأمريكي فكان المذياع نتيجة لهذه الجهود جميعا[17] الموحدة بفضل علاقات خاصة ليست في أصلها سوى الرابطة المسيحية التي أنتجت المدنية الغربية.

    وفي تاريخنا الإسلامي أيضا يسوغ لنا مالك بن نبي أمثلة تصب في نفس السياق – الفكرة الدينية تهذب غريزة الحياة في الجماعة- من خلال الاندماج الذي حصل بين المهاجرين والأنصار ليكونوا أول لبنة للمجتمع الإسلامي. ومنه يتضح لنا جليا أن الإسلام الذي خلق "الروح الخلقية" في إحداث هذا الاندماج لتحصل "قوة التماسك الضرورية" بين أفراده.

    وبهذا يكون قد أجاب مالك بن نبي عن أي إسلام يمكن أن يبعث الروح الخلقية في أفراد مجتمعات عالمنا الإسلامي لإحداث "قوة التماسك"؟ مشيرا إلى صورة الإسلام الاجتماعي المتحرك في عقول وسلوكات الأفراد. الإسلام الذي يعيش في إطاره المسلم مع الله سبحانه وتعالى عقلا في عمله وحبا في قلبه وحركة في حياته[18].

    فالتوجيه الأخلاقي بصفة عامة يقوم ببناء عالم الأشخاص الذي لا يتصور بدونه عالم الأشياء ولا عالم المفاهيم. ومن هنا كانت أهميته الكبرى في تمديد الثقافة في مجتمع ما. وفي توضيح الفرق الجوهري بين الثقافة التي تتضمن كشرط أولي تحديد الصلات بين الأفراد وبين العلم الذي لا يهتم إلا بالصلات الخاصة بالمفاهيم والأشياء[19].

    أ.2. التوجيه الجمالي بهدف تكوين الذوق العام:

    يعتبر المبدأ الجمالي أساس ثاني هام تقوم عليه الثقافة فهو الذي "يضفي على الأشياء الصورة التي تتفق مع الحساسية و الذوق العام من حيث الألوان والأشكال"[20]. حيث يرى مالك بن نبي أنه لا يمكن لصورة قبيحة أن توحي بالخيال الجميل فإن مستوى النفس يتجلى منظرها أقبح، والمجتمع الذي ينطوي على صورة قبيحة، لابد أن يظهر أثر هذه الصور في أفكاره ومساعيه[21].

    والأفكار باعتبارها روح الآمال التي تعبر عنها أو تسيرها إنما تتولد من الصورة الحسنة الموجودة في الإطار الاجتماعي التي تعكس واقعه المعاش. فالذوق الجميل الذي ينطبع فيه فكر الفرد يجد الإنسان في نفسه نزوعا إلى الإحسان في العمل والبحث عن الكريم من العادات[22].

    إن كل هذا ينم عن أن المبدأ الجمالي يشكل أساسا هاما في ثقافة المجتمع، فإذا كان المبدأ الأخلاقي حسب رأي مالك بن نبي يقرر الاتجاه العام للمجتمع بتحديد الدوافع والاتجاهات فإن ذوق الجمال هو الذي يسوغ صورته، وهنا وجه آخر للفرق بين العلم والثقافة. إذ الأول تنتهي عمليته عند إنشاء الأشياء وفهمها بينما الثانية تستمر في تجميل الأشياء وتحسينها[23].

    ويمكن القول في هذا الصدد بأنه هناك نموذجين من المجتمعات: الأول يقوم فيه النشاط أساسا على المنازع والدوافع الجمالية والثاني يقوم فيه النشاط أساسا على المنازع والدوافع الأخلاقية[24].فالاختلاف في ترتيب عناصر الثقافة ليس مجرد اختلاف اعتباطي صوري لأن هذين النوعين من المجتمعات لا يسيران في اتجاه واحد على محور التطور.

    فإذا كان المجتمع الغربي ابتكر فن الأزياء من أجل هدف واحد وهو إبراز مفاتن وجمال المرأة في الشارع، بينما تطور الملابس في مجتمعات عالمنا الإسلامي أخذت منحى مغاير للأول وكان هدفه في الأساس إخفاء جمال المرأة في الشارع. وظهور المرأة المسلمة بلباس مخالف فهذا لا يعني أن المجتمع الإسلامي غير ملبسه،وإنما الأمر يتعلق هنا ببداية تغيير اتجاهه الأصيل مستعيرا في ذلك طرائق ودوافع التعبير عن هذا الجمال من مجتمع آخر دون أن يعي ذلك.

    وهكذا عندما يتعلق الأمر بمعالجة مشكلة توجيه الثقافة في مجتمعنا الإسلامي فينبغي الأخذ بعين الاعتبار العلاقة (مبدأ أخلاقي – ذوق جمالي). آي أذواقنا الجمالية لا تكون مخالفة لمبادئنا الأخلاقية بل تكون محسنة ومكملة لها.

    أ.3. إيجاد منطق عملي:

    يعتبر ثالث أهم مبدأ تقوم عليه ثقافة المجتمع، فهو مبدأ يخص المحصول الاجتماعي فهو يشتغل على فعالية الفرد والجماعة معا. وهنا لا يقصد مالك بن نبي بالمنطق العملي ذلك المنطق الذي ظهر ودونت قواعده وأصوله مع المعلم الأول "أرسطو" وإنما هو ذلك المنطق الذي يعني بشكل كبير بالتجسيد والتطبيق وبكيفية ارتباط العمل بوسائله وغايته ومنه بمحاولة استخراج أقصى ما يمكن من الفائدة من الوسائل المتاحة واقعيا[25].

    ويشكل المنطق العملي شرط هام آخر من شروط الفاعلية في سلوك الفرد وأسلوب الحياة في المجتمع. ومما لاشك فيه أن هذا المبدأ سيزيد حسب رأي صاحبنا في توضيح الفرق الجوهري بين الثقافة و العلم ومن ثم بين الفرد المثقف والفرد العالم أو المتعلم[26] ويرى مالك بن نبي في أن الفرد المسلم اليوم لا ينقصه في الأصل منطق الفكرة وإنما ينقصه منطق العمل والحركة فهو لا يفكر ليعمل، بل ليقول كلاما مجرد خال من ذلك الضابط الذي يربط بين عمل وهدفه، بين سياسة ووسائلها، بين فكرة وتحقيقها....

    فهذا الكلام يسقط على مجتمعات عالمنا الإسلامي عموما إلا مجتمعين نراهما يخرجان من هذه الدائرة هما (ماليزيا وإيران) ولا ضير أن نضيف إليهما اندونيسيا. فالمسلم اليوم يتكلم طبقا لمبادئ القرآن ولا يعمل طبقا لمبادئ القرآن. ذلك لأن المنطق العملي في سلوكه الإسلامي غير موجود و هو ما يفسر لافعاليته[27] – طبعا هذا إلى جانب عوامل أخرى –.

    لذا فما يلزمنا هو أن نحول أقوالنا وأفكارنا إلى واقع معاش وأن لا نتركها في مجال الأوتوبيات وأن ننزل بها من مستوى التجريد والنقاشات حول إمكانياتها إلى سلوك نحياه في إطار دستورنا الأخلاقي الذي تبنيناه (الفكرة الإسلامية).

    أ.4. التوجيه الفني بهدف بناء عالم الأشياء:

    يشكل هذا المبدأ الدعامة الرابعة التي تقوم عليه الثقافة في المجتمع. وهو يتصل بمختلف النشاطات التي يمارسها الأفراد ( الفنون، الحرف، العلوم.../ وكما عبر عنها "ابن خلدون" بالصناعة). والتوجيه الفني هو وسيلة للكسب والعيش بالنسبة للفرد. أما بالنسبة للمجتمع فيمثل وسيلة للمحافظة على كيانه واستمرار نموه (المجتمع).

    ويرى "مالك بن نبي" أنه يتوجب في كل توجيه فني لعمل الفرد أن تؤخذ بعين الاعتبار العلاقة الترابطية المزدوجة بين المصلحة الخاصة (فردية) والمصلحة العامة، لأن في ذلك تحقيق للفاعلية التي يحتاج إليها المجتمع الذي يهدف إلى بناء حضارة متوازنة ولها أساس ثقافي قوي[28].

    لذا فعلى مجتمعات عالمنا الإسلامي والتي تعاني من مشكلة التوجيه تحديدا أن تنشئ مجالس حقيقية للتوجيه الفني كما قال مالك بن نبي في محاولة منه لإيجاد حل لهذه المشكلة نظريا وعمليا تبعا لحاجات ومتطلبات كل مجتمع[29].

    وهكذا إذا فالثقافة التي يتم تحديدها و تصورها في صيغة بيداغوجية هي كل هذه العناصر الأربعة. (المبدأ الأخلاقي، المبدأ الجمالي، المنطق العملي، التوجيه الفني) التي تشكل فيما بينها تركيب متآلف يسمح بجمع شروط الفعالية التي – هي كما تم توضيحها – الشيء الذي يريده "مالك بن نبي" من وراء كلمة "الثقافة"[30].

    ب‌. توجيه العمل:

    هل هناك عمل في العالم الإسلامي حتى نتكلم عن توجيهه؟

    إن نقطة الاستفهام هذه لا تسد الطريق عن المشروع الحضاري لمالك بن نبي لأن هذا الإبهام في نظره يعرقل أولئك الذين ينظرون إلى الأشياء في وضعها لا في مصيرها[31].

    يشير مالك بن نبي بأن العمل وحده هو المصدر الذي يخط من خلاله مصير الأشياء لأنه لا ينبعث أساسا من الخطب وإنما من حركة العناصر الدائمة ( الإنسان، التراب، الوقت )، ويظهر هذا جليا في المثال الذي ساقه "مالك بن نبي" في محاولة المسلمين الأوائل وكخطوة أولى وبصورة فعلية ومباشرة إلى إنجاز أول مسجد لهم بالمدينة شكل أول لبنة للعمل وكانت منطلقا للحضارة الإسلامية.

    بواسطة هذه الخطوة استطاع المسلمون أن يتحكموا في مجرى التاريخ لذا يكون العمل في المجتمع الذي هو في حالة نشوء منوطا بالجانب التربوي لا بجانب الربح والكسب.

    وعلى العموم إن توجيه العمل (في مرحلة التكوين الاجتماعي يعني سير الجهود الجماعية في اتجاه واحد من الراعي. الحرفي. التاجر. المرأة. الطالب. المثقف. العالم والفلاح......، ولكي يصنع كل منهم لبنة جديدة في البناء[32].

    ويجب أن يكون التوجيه المنهجي للعمل شرطا عاما أولا ثم وسيلة خاصة لكسب العيش بعد ذلك.

    أي على المجتمع الذي يسعى إلى بناء حضارة أن يهتم في المقام الأول بعملية التوجيه العملي عن طريق توعية أفراده بأن العمل شرط أساس وعملية ضرورية للوجود ولتحقيق التقدم ثم بعد ذلك يهتم بالتوجيه في العمل من أجل الكسب.

    جـ. توجيه رأس المال:

    يميز مالك بن نبي بين مفهومي " الثروة" و "رأس المال" فالثروة نفهما من خلال المركز الاجتماعي لصاحبها (فلاح، صاحب ماشية... أو حتى من خلال استعمال صاحبها لها بنفسه) على مستوى ضيق يلبي حاجته عبره فقط وبهذا فالثروة تظهر في مكاسب الفرد غير المتحركة وغير الداخلة في الدورة الاقتصادية.

    أما "رأس المال" فهو في جوهره المال المتحرك والمجرد اسما من صاحبه عكس الثروة ويكون مجاله الاجتماعي في محيط جراء حركته ونمو أكبر من محيط الفرد وأوسع من المقدار الذي تحدده حاجته الخاصة (الفرد).

    وهذا ما يحدث في المجتمع الغربي (أوروبا) حيث بدأ تكوين رأس المال به مع ظهور الصناعة انطلاقا من المواد الأولية المحلية و المستوردة، ثم المصانع كفضاءات تحول فيها المواد إلى سلع ومنتجات ثم الأسواق كمجالات للاستهلاك (البيع و الشراء). كل هذا جعل المال يتسع أكثر من حيث توظيفه ليتجاوز نطاق استعمال الفرد و محيطه الخاص إلى مجال آخر أوسع وأشمل في محيط ينتقل فيه المال من بلد إلى آخر مشكلا بذلك شبكة العلاقات الاقتصادية بين مختلف البلدان ومتخذا شكل قوة مالية يطلق عليها "رأس المال"[33].

    وينتج عن هذا الانتقال لرأس المال من بلد إلى آخر فرص العمل و ما يتطلبه هذا الأخير من حشد للأيادي و العقول[34].

    وعليه فإن توجيه رأس المال في المجتمع الإسلامي الذي بدوره ينتمي إلى عالم يعيش أزمة حركة ونمو يكتسي أهمية اجتماعية كبرى بالنسبة للإنسان حيث أنه لا يكون متصلا بالكم بل بالكيف لأن المهم في هذه المرحلة هو كيفية استغلال كل قطعة مالية متحركة تخلق معها العمل والنشاط للإنسان أما الكم فيأتي في الدرجة الثانية بعدما يصل المجتمع إلى مرحلة معينة من التطور الحضاري.

    أي أن توجيه الإنسان لرأس المال من أجل البناء الحضاري يتطلب حسب رأي مالك بن نبي ليس كمية كبيرة وهائلة من الأموال وإنما كيفية تسيير ناجحة وعقلانية لما هو موجود بحوزة المجتمع من أموال وذلك بتحويلها من صورتها الكاسدة إلى رأس المال المتحرك يخلق معه العمل والنشاط.

    المبحث الثالث: إعادة الاعتبار لقيمتي التراب والوقت:



    1-إعادة الاعتبار لقيمة التراب:

    مسألة معالجة التراب باعتباره أحد العناصر المكونة للحضارة لاتتمحور حول خصائصه وطبيعته وإنما تتمحور حول قيمته الاجتماعية المستمدة أساسا من قيمة مالكيه ( الأفراد) أي أنه حينما يكون النشاط الحضاري مرتفعا أو حركيا لدى مجتمع ما يكون في المقابل قيمة عالية للتراب[35].

    وحسب رأي مالك بن نبي أن هذا العنصر المهم في المعادلة الحضارية بالنسبة للمجتمعات العالم الإسلامي عديم القيمة وهذا نتيجة لاستلام الاستعمار على تراب معظم البلاد الإسلامية في القرن الماضي وتأخر أفراده حاليا، وأوضح مثال على ذلك بلدنا الجزائر، بلد يتوفر على كل الخيرات الطبيعية للنهضة ولكن لا نعرف كيفية استغلالها والأدهى والأمر أن هذه الثروة قدمت للغير دون أن نعي خطورة وعواقب هذا الفعل في أن نترك ثرواتنا في يد الغير وما يترتب عنه من تدخل في السيادة والسيطرة والهيمنة على الاقتصادات الوطنية.

    في حين وكمثال مضاد دال على حسن وعقلانية الإنسان الياباني في كيفية استعمال ترابه وإعطائه الأهمية القصوى رغم ضعف وعدم خصوبة اليابسة اليابانية وطابعها الصخري والزلزالي والبركاني إلا أن اليابانيين استطاعوا أن يسيروا قدما في مسيرتهم النهضوية والحضارية بفضل الجهود التي بذلوها في تطوير عنصر التراب وتكييفه وفقا لتطلعاتهم ومطالبهم الاجتماعية.

    ومنه وبالنظرة البنابوية دائما يعود السبب بالدرجة الأولى إلى موقف الإنسان نفسه من التراب الذي يعيش عليه ويعمل على تنميته واستثماره بإخضاعه للدراسة والتجارب كعلم الفلاحة وعلم المعادن وطبقات الأرض وغيرها[36].

    وننوه هنا إلى أن مشكل الحضارة لدى العالم الإسلامي يعود في الأصل إلى الأزمة التي يعانيها على مستوى فرده فعلاقة الفرد المسلم بأرضه أشبه ما تكون بفلاح جرد من أرضه وأسكن على ضفاف نهر ينهض صباحا ينظر إلى وجهه على سطح الماء ويشتكي فقدانه للأرض التي كانت حياته دون أن يعي أن الذي ينظر من خلاله إلى تعاسته هو حياة أخرى إن أراد فعلا الحياة.

    2-إعادة الاعتبار لقيمة الوقت:

    عنصر الوقت لا يتحدد عند مالك بن نبي كمدة زمنية "Temps-durée " تقيم بعقارب الساعة، وإنما يحدده من خلال مفهومه الوظيفي "Temps-travail " الذي يقيم الأعمال التي أنجزت في ظل فترات زمنية معينة[37].

    إن هذا المفهوم الوظيفي للوقت لا يمكن أن يتبناه أي مجتمع ولا يتعاطاه عمليا إلا بالاعتماد على "التربية" كوسيلة أساسية يدرك من خلالها الأفراد قيمة الوقت كعملة فريدة لا تسترد إذا ضاعت[38]. وأدق مثال ساقاه مفكرنا مالك بن نبي تجربة ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية 1945 إذ لم يبقى لها شيء تقيم على أساسه بناء نهضتها. فلما بدأ النشاط يسري في نفس المجتمع الألماني في مستهل سنة 1948 بفعل مضاعفة ساعات العمل وتثمين الوقت ورفض الإهمال والتكاسل في العمل....كان ساعتئذ في نقطة الصفر من حيث المقومات الاقتصادية الموجودة لديه[39] وبعد عقد من الزمن من انتهاء الحرب صارت ألمانيا تتمركز في مكانها الحضاري بل وأصبحت تنافس حتى الدول المتقدمة من الحلفاء المنتصرين في الحرب على غرار فرنسا وبريطانيا على المستوى الأوروبي.

    هذا هو المطلوب من المجتمعات المتأخرة حضاريا اليوم وخاصة مجتمعات عالمنا الإسلامي على أن يربي أفراده على تخصيص ساعات إضافية يوميا لأداء واجب معين فإذا ما خصص كل فرد هذا الجزء من يومه في تنفيذ مهمة منتظمة وفعالة فسوف يكون لديه في نهاية العام حصيلة هائلة من ساعات العمل للمصلحة العامة للمجتمع.

    و تحويل الوقت من مجرد زمن خامد لا قيمة له إلى وقت بقيمة مجتمعية حضارية يعتمد على نفسية الفرد ومدى إيمانه ووعيه بأن ما يقوم به من أعمال وتقديم ساعات إضافية إنما يعود بالفائدة على المجتمع وإذا وصل المجتمع إلى درجة من الرفاهية الحضارية يعود عليه – أي الفرد – بالفائدة.



    خلاصةالفصل الثاني:

    نحن والواقع... تلازم شرط النهضة بالحرية:

    في عصر يلعب فيه المسلمون أسوأ الأدوار وهذا من جراء إعراضهم وإبطالهم للمهام التي أوكلت لهم بموجب تكليفهم بمهمة الاستخلاف، عملية التموقع في النظام الدولي معادي تتطلب مجهود ضخم وشاق، وفي ظل عولمة أمريكية تفرض فرضا قيما ومفاهيم علمانية تتعسر مهمة المسلمين في إيجاد صيغة استقلال ونهضة لأنفسهم خارج الأطر التي عينتها قوى عظمى، وقد جاء على لسان أحد المستشرقين الأمريكيين المنصفين جون.ل.اسبوزيتو مايلي:" استنادا إلى عدد كبير من المعلقين الغربيين: الإسلام والغرب في نزاع مستمر، وبالنسبة لهم يمثل الإسلام ثلاث تهديدات خطيرة:

    سياسية، حضارية، ديموغرافية، وتصور المواجهة أحيانا كثيرة على أنها صدام حضارات". بعد أحداث 11/09/2001 المروعة ازداد العالم الغربي المؤسساتي رفضا للإسلام والمسلمين، وإذا ما نطالع تحليلات المختصين والمنظرين السياسيين الغربيين نقع على خلفية عدائية للعالم الإسلامي. عززتها هجمات 11 سبتمبر ويعتبر التيار المحافظ المتطرف داخل مؤسسات الحكم في الغرب أن لا جدوى من التعامل مع العالم الإسلامي وأفضل طريقة لعزله واتقاء ما يسمى "بالإرهاب الإسلامي" هو بنهج سياسة استعمارية غير مباشرة ومباشرة كاحتوائه سياسيا واقتصاديا تارة واحتلاله لأفغانستان والعراق تارة أخرى وفي الجهة المقابلة العالم الإسلامي عاجز كشعوب ونخب على بلورة رؤية نهضوية موحدة تقوم على قيم ومبادئ الإسلام، وهذا بالنظر إلى تضافر عوامل عديدة داخلية وخارجية أحبطت وتحبط في كل مرة محاولاته في نهج طريق وسط بعيدا عن الوصاية الإيديولوجية للشرق والغرب مع العلم، نحن نمتلك العوامل الرئيسية المؤسسة للحضارة، إنما لا نعتمدها ولا ننطلق من الإنسان المعني الأول والأخير بفعل البناء الحضاري.

    استعمال الخامات والمواهب والأفكار المطروحة في أرض الواقع هذه خطوة الذهاب إليها بداية وما سوف يتبعها دراسة، استغلال ذكي، اعتماد الأولويات واحترام السياق العام لعملية التنمية، كل هذا لا يتم اعتباطا بل هو نتاج تصور شمولي يأخذ في الحسبان الممكنات والوقائع وعامل الزمن غير أن العالم الإسلامي لم يأخذ هذه الوجهة، أهمل التجارب الخاصة بنسقه التاريخي، وانصب اهتمامه في مجرى آخر خارج الإطار الذي حددته ملابسات الواقع وظروفه. أراد أن يخضع ماهو كائن إلى نموذج من التطور القسري الذي لا يتلاءم وقيمه ومرجعيته الدينية باعتبار أن الإسلام دين يقنن لحياة الفرد والجماعة بشكل شامل وحكيم. وهذا التعاطي تم بتجاهل العوامل والشروط التي يفرضها الظرف التاريخي القائم.

    فالحضارة ليست وليدة ظروف استثنائية بل هي خلاصة سياق تاريخي، فالأطوار التي تمر بها مناطق وبلدان ومجتمعات تخلق بشكل إرادي حركية حضارية تتيح لأبنائها العمل واعتماد أسلوب حياة تنتج عنه حركة علمية نشطة.

    لا تتوفر قدرة الخلق والإبداع في مناخ يحكمه التواكل والكسل واللامبالاة والتبلد العقلي أو الرداءة والانحلال والاستبداد. فكلما تتقلص "مساحة الحرية" ويتمدد الجهل وتستبد الأهواء في قضايا السياسة والاجتماع والاقتصاد وتفتقر المجموعة الإنسانية إلى ثقة في قدراتها الذاتية،كلما تتناقص حظوظ ذلك المجتمع في النهوض حضاريا. يقضي التصور الإسلامي للوجود بأن الإنسان مخلوق لتأدية رسالة وهذه الرسالة لها شقين شق مرتبط بالواقع الدنيوي المحسوس وشق أخروي يحدد مصير الإنسان بعد موته، لم يرسخ دين أو أي معتقد وضعي هذا المفهوم كما فعل الإسلام الدين الكامل المكتمل. فالإسلام راعى أول ما رعى ميل الإنسان الفطري إلى الخير و الفضيلة، فرسخ هذا الميل في ذات العبد عبر منظومة تشريعية تحقق للمسلم طموحه في التوصل إلى تحقيق المجتمع المثالي الذي لطالما شكل إحدى أهم المواضيع الفلسفية منذ القدم أي منذ أفلاطون الإغريقي، وسنيك القرطبي الروماني إلى ابن رشد الأندلسي، جمال الدين الأفغاني وأخيرا مع مالك بن نبي. فإيجاد المجتمع المسلم المثالي إمكانية مطروحة أتاحها الدين الإسلامي لأتباعه بتزويدهم بمجموعة كاملة من القوانين والأدوات والمعايير الأخلاقية التي تمكنهم – على خلاف تجارب الحضارات اليهودية المسيحية والبوذية مثلا- من التحرك في واقع معلوم دون التصادم معه وتغييره تدريجيا باحترام السنن الإلهية والكونية.

    أما مسألة التصادم فحتى وإن كان واقع الأمة الإسلامية الآن واقعا مهزوما ومتخلفا فهو قابل للتغيير. والتغيير هذا بإمكانه أن يحصل دون صدام عنيف بما هو كائن على أرض الواقع والدليل على ذلك ما أقره مفكرنا الإسلامي الفذ مالك بن نبي من حوالي نصف القرن "ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها وإنما المهم أن نرد إلى هذه العقيدة فاعليتها وقوتها الإيجابية وتأثيرها الاجتماعي". وفي كلمة واحدة: "إن مشكلتنا ليست في أن، نبرهن للمسلم على وجود الله بقدر ماهي في أن نشعره بوجوده ونملأ به نفسه باعتباره مصدرا للطاقة". هنا وفي هذه الفقرة الإعجازية لخص مفكرنا خير تلخيص ما نحن مطالبين به كمسلمين ووطنيين. وفي رأينا المتواضع أن هذه المهمة ليست بمستحيلة في بيئة مسلمة جزائرية تنعم بالحرية رغم أنها تشكو جميع أعراض التخلف والانحطاط فالحرية هي الضمانة التي تتيح للمفكرين والعلماء المسلمين النهوض بهذه المهمة ]
    جزائري
    جزائري
    عضو جديد
    عضو جديد


    ذكر عدد الرسائل : 27
    العمر : 41
    اسم البلد : algeria
    المزاج : calm
    احترام قوانين المنتدى : الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة 11101010
    نــقــاط الـتـمــيــز : 5386
    تــقــيـيــم الـعــضــو : 1
    البيانات الشخصية : الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة 15781610
    تاريخ التسجيل : 24/09/2009
    وسام المنتدى وسام المنتدى :
    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty0 / 1000 / 100الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty

    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty
    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty
    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty
    وسام التميز : الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty
    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty
    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty
    صورة المنتدى

    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty رد: الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة

    مُساهمة من طرف جزائري الخميس سبتمبر 24, 2009 6:52 pm

    هدا تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة كما يجب ان يكون
    سفيان عادل
    سفيان عادل
    مشرف
    مشرف


    ذكر عدد الرسائل : 3399
    العمر : 50
    احترام قوانين المنتدى : الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة 11101010
    نــقــاط الـتـمــيــز : 7923
    تــقــيـيــم الـعــضــو : 398
    البيانات الشخصية : الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة 15781610
    تاريخ التسجيل : 20/10/2008
    وسام المنتدى وسام المنتدى :
    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty0 / 1000 / 100الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty

    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Img8-111

    الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة Empty رد: الفصل الثاني للبحث/تصور مالك بن نبي لمستقبل الامة

    مُساهمة من طرف سفيان عادل الخميس سبتمبر 24, 2009 7:16 pm

    جزاك الله خيرا اخي الجزائري فعلا الامة اليوم لابد لها من مراجعة الكثير من فلسفاتها في الحياة وفهمها الحقيقي للاسلام هو السبيل الوحيد

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 13, 2024 5:43 am