الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين صلى الله عليه وسلم في الأولين والأخرين وصلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى ويوم الدين أما بعد: إخوة الإيمان
اليوم نختم حديث رسول الله و درسنا اليوم من الأهمية بمكان.
أريد أن أسألك، كم عدد الفروض والسنن الفوائد والفضائل التي سمعتها؟ ذكرنا فيه 18 خصلة طيلة 4اشهر ونصف زيادة على هذا
انظر كم سمعت من دروس؟ كم قرأت من كتب ؟ كم حضرت من محاضرات ؟
انظر كم قرأت من قرآن؟
لكن ... أين النتيجة؟
لماذا عندما تُقرأ علينا الآيات التي لو أُنزلت على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، لماذا تنزل علينا هذه الآيات و لا نتعظ و لا نتأثر؟
انظر كم قرأت و متى وَجِل قلبك ؟
"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)"
تأمل أوامر الله لك و كم تنفذ منها؟
و كم من المخالفات التي تعلم أنها تستوجب غضب الله عليك و لماذا تفعلها؟
لماذا نقصّر في الواجبات و نفرط في السنن و المستحبات؟
لماذا لو دُعيت إلى كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم لم تكن عندك همة للعمل و لم تكن عندك إرادة لكي نعمل فعلاً بما نتعلم؟
انظر إلى الرسائل التي يبعثها الله لك ليل نهار.
اليوم نتساءل لماذا لا نعمل بما نعلم؟
لماذا لا تستطيع أن تتغير شكلاً و مضموناً؟
لماذا لانطبق ماتعلمناه؟؟ لنسأل أنفسنا ما هي الأسباب لعدم تطبيقنا ما نتعلمه؟ ما هي الأسباب التي تجعلنا لا نعمل بما نعلم؟
-ضعف الإيمان بالله و اليوم الآخر.
دائماً عندما تكون عندنا مشكلة يكون أساسها الجهل بالله سبحانه و تعالى. فلا مصيبة أعظم من أن تجهل ربك. كيف و قد توعد الله عزو جل الجاهلين به بثلاثة أنواع من العذاب، قال تعالى : " كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) "
ثلاثة أشياء:
أول شيء : سواد القلب. أن يُصبح بينِك و بين ربك سد، ران على القلب، قسوة في القلب، موت للقلب، "كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ "، بسبب وقوعنا في المعاصي و المخالفات و الذنوب، فيصبح على القلب سواد يغلق الباب بينك و بين ربك. تقوم للصلاة و تحاول أن تخشع فلا يخشع قلبِك، تحول أن تتباكي من خشية الله و عيناك لا تبكيان حرقة من خشية الله سبحانه و تعالى .تحج وتعتمر تقرأ القرأن لا شيئ يغير فيك هذه هي الوحشة التي بين الانسان و بين ربك بسبب سواد القلب " رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ " من المعاصي و السيئات.
ثانياً: أن يصبح بينه و بين الله حجاب. يُحجب عنه يوم القيامة فلا يراه و يُحجب عنه كذلك في الدنيا فلا يستطيع أن يصل إليه.تشعر بهذا تدعو فلا يستجاب لك تقف بباه فلا ينظر اليك انه بسبب معاصيك
ثم العذاب الأكبر " ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ".
كل هذا نصيب الجاهل بالله سبحانه و تعالى الذي لا يعرف الله حق المعرفة.
قال بعض السلف: لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوه فكفى بخشية الله علماً و كفى بالاغترار بالله جهلاً.
فأنتِ لو عرفت الله بصفات جماله و صفات جلاله لم يكن هذا هو حالك، بل لكنت ستسارع في الطاعة، كنت فعلاً ستجاهد في الله حق جهاده لأنك ستعلم أن الله اصطفاك و أنت لا تستحق مثل ذلك لأنك علمت من ربنا؟ و مَن نفسك؟
لو عرفت الله بصفات جلاله و سمعت هذه الآية: " فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ" الزخرف/ 55، فتصبح خائفا، تخاف أن تكون هذه هي عقوبتك عند الله سبحانه و تعالى و أنت لا تعلم أنك تسير في الدنيا تائه حائر غير منتبه للطريق، و الله غاضب عليك في السماء و أنت لا تدري. عندما تسمع قول الله تعالى: "وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} فيصبح لسانك مثلما كان النبي صلى الله عليه و سلم يكثر من هذا الدعاء: " اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك و تحر عافيتك و فجأة نقمتك و جميع سخطك". خائف من أن يكون الله سبحانه و تعالى غاضبا عليك في السماء فلهذا تعرفه بصفات جلاله، تعرف أنه جليل، تعرف أنه كبير متعال، أنه عزيز جبار سبحانه، و من الجهة الأخرى تعرفه بصفات جماله، إنه جميل، إنه طيّب، إنه عفوّ، إنه رحيم رحمن سبحانه... فلو عرفته بصفات جماله لأحببته من كل قلبك.
فصفات الجلال تعطيك الدافع، الخوف أقرب سائق إلى الله. فعندما تخاف تود أن تعمل و لو سمعت شيئا أو أي فضل عمل، أي شيء يحثك على الطريق تقوم و تنشط لطاعة الله.
و من الجهة الأخرى، لو أنك تحبه حقاً فلن تقوي بأي حال من الأحوال أن لا تستجيب لأمر حبيبك و سيدك و مولاك، ربك الودود. سمعت ربِّك و هو يقول: " وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ" عندما تعرف أنه ليس غيره، من سيتوب عليك، و رغم أنك ارتكبت كل هذا من ذنوب و معاص و خالفت أمره إلا أنه فاتح لك بابه، يقبل التوبة حتى يغرر العبد، يقبل التوبة و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل و يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، و ترتكب سيئات عظيمة جداً و كبيرة جداً و يعفو عن كثير، " وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، العدل يقول عندما تفعل هذه المخالفة أن يعاجلك الله بالعقوبة، لكن ربِّك جميل فيعفو عن كثير.
لكي أحنن قلبِك عليه و لكي تعرف مقدار رحمة ربِّك بك فلما تسمع هذا الكلام تنشط في طاعته و لا يكون هناك أمر لأحد كائناً من كان بما فيهم نفسك مقدما على أمر ربِّك.
العبد يُذنب حتى يرتكب كبيرة من الكبائر، من الموبقات و الفواحش، يقع في الزنا و العياذ بالله، قال تعالى : "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، من يا رب المتقين؟ من يا رب هم عبادك الصالحين الذين ستفتح لهم أبواب الجنة و تفتح لهم أبواب رحمتك ؟ قال تعالى: "الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)" ، الذين يبذلون في سبيل الله، و من سيعرف كيف يكظم غيظه، و يعرف كيف يجاهد نفسه لكي لا يخطأ عندما يقع في الغضب، الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس (اعف يُعفا عنك)، الله يحب المحسنين، قال تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135. لو فعلوا مصيبة كبيرة، أو فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، و علموا أن لا أحد يغفر الذنوب إلا الله. و لم يصروا على ما فعلوا و هم يعلمون. جابر ابن زيد كان يقول: و الذين إذا فعلوا فاحشة، يقول: زنا القوم و رب الكعبة، رجل وقع في زنا، وقع في فواحش، وقع في كبائر، و بعد هذا يصبح من المتقين ؟ نعم، طالما ذكر و لم يغفل و فهم و رجع إلى الله، جعله الله من عباده المتقين الذين ليس من قبلهم و لا بعدهم و الآخرة عند ربك للمتقين.
عندما تعرف ربك بصفات جلاله و بصفات جماله الأمر يختلف تماماً. فضعف الايمان بالله و عدم معرفتنا بالله، هذه هي التي تجعلنا لا نطبق ما تعلمناه.
الخطبة الثانية
إن العمل يكون له دافع من الإيمان الحار والله عز وجل ينادينا بالإيمان قبل الأمر يقول سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) ومثل هذا كثير في القرآن.ولهذا فإن نقص الإيمان ينقص الدفع للعمل
أن قوة الإيمان تدفع للقيام بالأعمال الصالحة ، وتمنع من التدنس المعاصي والآثام
ومما يدل على ذلك :
أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) .
ب. عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ ، قِيلَ : وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ
ج. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الإِيمَانِ ) .
قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رحمه الله : الإِيمَانُ يَبْدُو فِي الْقَلْبِ ضَعِيفًا ضَئِيلا كَالْبَقْلَةِ ; فَإِنْ صَاحِبُهُ تَعَاهَدَهُ فَسَقَاهُ بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَأَمَاطَ عَنْهُ الدَّغَلَ وَمَا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ ، أَوْشَكَ أَنْ يَنْمُوَ أَوْ يَزْدَادَ وَيَصِيرَ لَهُ أَصْلٌ وَفُرُوعٌ وَثَمَرَةٌ وَظَلَّ إلَى مَا لا يَتَنَاهَى ، حَتَّى يَصِيرَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ . وَإِنْ صَاحِبَهُ أَهْمَلَهُ وَلَمْ يَتَعَاهَدْهُ جَاءَهُ عَنْزٌ فَنَتَفَتْهَا ، أَوْ صَبِيٌّ فَذَهَبَ بِهَا ، وَأَكْثَرَ عَلَيْهَا الدَّغَلَ فَأَضْعَفَهَا ، أَوْ أَهْلَكَهَا أَوْ أَيْبَسَهَا ؛ كَذَلِكَ الإِيمَانُ !!
وَقَالَ خيثمة بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : الإِيمَانُ يَسْمَنُ فِي الْخِصْبِ وَيَهْزُلُ فِي الْجَدْبِ ؛ فَخِصْبُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَجَدْبُهُ الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي .
وللحديث بقية
بارك الله لي ولك في القرأن العظيم ونفعنا بما فيه من الأيات والذكر الحكيم والحمد لله رب العالمين