وضعية كارثية يندى لها الجبين وتعجز الألسن حتى عن ذكرها والأقلام وصفها، تعيشها مقابر الجزائر، منذ سنوات، فالمفترض أن تكون هذه المقابر عنوانا للاستقرارا لأبدي للموتى إلا أن فئة من الشباب فضلت هذا المكان المقدس والمحترم فضاءا للمواعيد الغرامية، وفي وضح النهار دون حياء لا من المارة ولا حتى من الطاقم الصحفي لأسرة الشهاب أثناء قيامها بهذا التحقيق.
أما الفئة الأخرى والخارجة عن القانون، فضلت أن تمارس طقوس السحر والشعوذة، وتدنس كل عزيز وتتحدى أي رقيب بممارسة عجب العجاب، ألا وهو نبش القبور ووضع أمور السحر والشعوذة في التربة المقدسة لقبور الموتى.
والمفترض أن القانون يعتبر نبش القبور أكبر جريمة ضد الإنسانية.
عند إجرائنا التحقيق تجولنا في غابتي !... عفوا... مقبرتي زغوان وسيدي حرب بإحدى أكبر مدن الجزائر مدينة عنابة في أقصى شرق البلاد، هاتين المقبرتين المفتوحتي الأسوار على الشارع والتجمعات السكنية، والأمر لا يختلف عن غيرهما من المقابر المنشرة عبر التراب الوطني، ولكم بعض الأصداء :
تقول امرأة مقيمة في الخارج لم تزر قبر والدتها منذ أزيد من عشرية من الزمن وهي تبكي بشدة من حرقة الهول التي وجدت فيه قبر أمها عثرنا عليها تائهة داخل المقبرة صدفة : "يا أخي رحت اليوم زرت أمي في (الجبانة) المقبرة ولم أستطيع العثور على قبرها في مقبرة زغوان المقابلة للبحر، وعلى ما أتذكر فهو متواجد في أقصى اليسار، فعمدت إلى الاستغاثة بالأولاد المتواجدين في المقبرة الذين ساعدوني على نزع الأعشاب والأحراش التي وصلت طولي مقابل مبلغ مالي، ووقت كنا ننزع هذه الحشائش الضارة خرج لنا ثعبان ومن هول حجمه سقطت إلا أن شجاعة الأولاد حال دون أن يؤذينا – والذي بلغ طوله حسب أحد الشباب : متر واحد أو يزيد قليل – " واصلنا جولتنا فإذا بنا نجد رجل واقف على أحد القبور قال لنا : "انظروا لهذا القبر الذي تمر عليه قنوات صرف المياه وببساطة لا أحد يقبل هذا".
وبخصوص موضوع من يتردد على زيارة القبور سألنا بعض الزائرين فقالوا لنا : "جماعة تناول الخمور"، "يأتون رفقة البنات من بعد فترة الظهر حتى مغيب الشمس"، "اللصوص الذين يترصدون النساء والعجائز لسرقة حقائبهن الخاصة، وأموالهن، وأساورهن..."
وعن أوضاع المقابر ننقل لكم أصداء بعض الزائرين :
"هذا مجال مهمل محتل من طرف الحيوانات المتوحشة"،
"هذا مؤسف، غير معقول سواء بالنسبة للموتى أو للسكان الذي يزورون موتاهم، والأمر بالنسبة لله"،
"إذا قارنا هذه المقبرة الإسلامية بغيرها ولن نذهب بعيد بسيدي عاشور بالقرب من حظيرة التسلية توجد المقبرة الإنكليزية التي دفن فيها قتلى الحرب العالمية الثانية، فهي جنة فوق الأرض، تشعرك بالشوق الدائم لزيارتها، ولحسن المنظر واخضرار الأرض تجعلك تعشق الجلوس في الطبيعة مع الأهل وشرب القهوة أو الشاي، أنظر نحن بلاد المسلمين مقابرنا مهملة".
"هذا شيء مقرف، يمكن حتى للزائرين أن تصيبهم أمراض في مثل هذه الظروف العجيبة"،
"أنا أقول لك لقد حضرت منذ قرابة الأسبوع إلى محاولة الاعتداء على إحدى الزائرات فرت تجري وقدمت لي تطلب الاستغاثة من شخص أراد سرقتها".
" الحقيقة أنا لا أستطيع زيارة المقبرة دون أن يكون معي مرافق سواء زوجي أو أحد أولادي، لأنه لا طالما شهدنا أشخاص رفع الحياء من على أوجههم بل أكثر من ذلك وجدنا مجانين".
لا صور يحمي القبور الواقعة أعلى الصورة [/center]
ونحن نواصل تحقيقنا، اقتربنا من أحد المواطنين شاب برفقته شابة للحديث معهم فكانت إجابتهم كالتالي :
\"يا أخي ماذا تراني فاعل، ها أنت ترى إننا لا نقوم بأشياء مخلة بالأدب\"
وغير بعيد عنهم وجدنا شاب آخر مع فتاته حاورناه فرد علينا :
\"لا لا لا أريد الحديث معك..\" لماذا ؟ \" والله يا صديق لست في حالي\" أخي قلي فقط لماذا اخترت هذا المكان ومعك الفتاة ؟ \" وأين تذهب، لقد جئنا هنا للترفيه والترويح عن النفس مقابل البحر أنا والمخلوقة، وفي الحقيقة قد أزعجتني يا صديقي، فقد تجاوزت حدودك، ما هذا ؟ أنتم دائما هكذا أيها الصحافيون ...(كلام بدئ)... على الناس\".
وحفاظا منا على أنفسنا ابتعدنا عن الشخص الذي بدء يشعر بالهيجان فتركناه لنجد شاب أكثر تقبلا لنا في الحوار فسألناه : أريد أن أسألك سؤالا واحد فقط : لماذا أنت هنا ؟ فرد قائلا : \"جئت أجلس فقط\" وحدك ؟ \"لا مع رفيقتي\" ثم فجأة يفر من أمامنا فنلحق به \"نعم جئت ومعي رفيقتي\ يمكن الحديث معها [/b]؟ بعد تردد وافق فسألناها، لماذا اخترت هذا المكان ؟ فردت علينا : \"يعجبني.. هذا رومانسي... (اقرأ هذا جيدا إنها نقول رومانسي، هل تعلمون معنى الكلمة، قالت رومانسي...) يا إلهي إنها تعرف مصطلح الرومانسية ، يتواصل حديثنا مع الشابة والشاب : من أي جئتما ؟ \" من قريب من جوار المقبرة (المدينة القديمة)\" ألا تذكركما المقبرة بشيء ؟ \"كيف لا وكلنا إليها داخلون\" مع ذلك أنت هنا جالس ؟ ترد علينا الشابة \"ماذا تريدنا أن نفعل، تعجبنا...\" ألا تخشين أن يراك أحد أفراد عائلتك مع هذا الشاب وينجم عن ذلك مشاكل خاصة وأنكم غير متزوجين ؟ \"تضحك ويقول الشاب \"والله هذه مليحة (بمعني هذا شيء جيد)\". [/td][/tr][/table]
نغادر مقبرة زغوان لندخل مرة أخرى مقبرة في غرب المدينة ويتعلق الأمر بمقبرة سيدي حرب فكانت الأصداء كالتالي :
"بصراحة تأتي أفواج كثيرة من الشباب والشابات في وسط المقبرة، يثيرون المشاكل ويفعلون أمور مخلة بالأدب".
" توجد المياه القذرة المنبعثة من البنايات المجاورة رغم أن هذه الأخيرة حديثة البناء".
"كما ترون سور المقبرة مهدم يمكن لأي شخص الدخول إليها".
"في عدة مرات نلقي القبض على أشخاص يدسون السحر" كيف يتم ذلك ؟ " يوجد طرق كثيرة كأن يضعوا كتاب أو بيضة في جوارب أو يؤتى بسكينة... كل مرة ظاهرة جديدة، وفي مرات كثيرة وجدنا قبور منبوشة – العثور على حفر – حيث يدسون تلك الأشياء" بماذا تعرف هذه الأشياء ؟ " إنه السحر الذي يسمى بالقبر المنسي".
هذه بداية لمشهد جديد إلا أن قصة أحد الشيوخ مقيم بجوار المقبرة أذهلتنا : "في إحدى المرات أمسكت امرأة ماذا تتصورن أنها فاعلة ؟ تحمل جوارب بها سمكة لكن رأس السمكة فقط فيها السم، ومرة أخرى أمسكت أخرى في هذا المكان.. هناك.. بيدها قطعة قماش مليئة بالإبر، وكل هذه الأساليب السحرية بدع، يعمدون إلى حفر ونبش القبور ودفن سمومهم هناك في الحياة الأبدية، لهذا يا أخي الرجال أصبحوا يتكلمون لوحدهم".
غير بعيد على هذا الشيخ وجدنا شاب قال لنا : " في إحدى المرات أمسكت امرأة على بعد 50 متر على بيتنا هذا بالقرب من أحد القبور القديمة تغرس قلبا (عضو القلب) لا أقول قلب كبش أو لي.. المهم قلب كبير يمكن أن يكون لثور أو أحد المواشي... وغير بعيد عن هذا المكان حيث تتواجد القبور القديمة أمسكنا بامرأة بيدها سكينة ولا ندري ما تفعل بها، الأمر واضح سحر، والغريب أن النساء يظهرن جميلات وذوات مظاهر محترمة، الأكيد أنه عندما نرى امرأة تقدم على مثل هذا الشيء، يتبادر في الذهن أنها تريد إيذاء شخص ما، وبالنسبة لي أظن أنها تستهدف رجل، وهنا نجد عديد الحالات لنساء لما ينكشف أمرهن ونطلب الشرطة، فيترجون منا أن لا نبلغ عنهن ويعرضن علينا الأموال وأشياء أخرى مقابل السكون والتستر عليهن".
وعن الإهمال يقول أحد الزائرين : "الأمر لا يتوقف عند الإهمال، لقد شاهدنا الأبقار والأغنام ترعى، بل أكثر من هذا.. فيها المشاكل كلها، يدخنون بل يروجون للمخدرات، يشربون الخمر في وسط المقبرة، أكرمكم الله تعال معي هناك كيس قمامة ملقى فوق القبور، هل هناك أمر أفظع من أن ترمى القمامة فوق القبور".
نقلنا هذه الأصداء إلى الشارع وعرضناها على شرائح مختلفة من المجتمع فكانت الأصداء كالتالي :
"تسيب السلطات لا تراقب"،
"في أحيان كثيرة تجد ثنائي من الشباب يتجولون في مواعيد غرامية بين الأموات ولا أحد يستطيع أن يتكلم، كل شخص يخاف عن نفسه، لو تكلمنا قد نتعرض للاعتداء فكم من شخص طعن بالسكين ولا أحد يمد له يد المساعدة"، "كم من واحد سمعت أنه تم الإمساك به في حالة مثلما نقول ....كلام بدئ... نساء رجال، أما النساء والعجائز نسمع عنهن أنهن يقصدن القبور الحديثة (جديدة الدفن) حيث يعمدون إلى قطع أيدي الموتى يحضرن بها الكسكس (أكلة شعبية) " أذكر لنا هذه الأماكن ؟ "لا.. لا لن أحك عن هذه الأماكن ما تريد أن تورطني لجري في التحقيقات ؟ ".
"حرام سحر، كذب المنجمون ولو صدقوا، هذا إنهاك لحرمة الميت، ويجب عند إمساك هؤلاء الأشخاص أن نعضهم والذهاب بهم إلى الشرطة وإذا بقت الظروف هكذا جميع الناس سوف يعمدون لفعل مثل هذه الأفعال".
"اللهم عافنا هذا ليس منطقي، هذا شيء غير طبيعي، كان الواجب أن يلتقون في حديقة في نادي المهم... ليس في مقبرة.. كان الواجب على أي شخص عندما يرى المقبرة يخشع ويذهب للصلاة، وليس العكس يذهب ....كلام بدئ...".
"ظاهرة تخالف الشرع الحنيف".
"ربي يهديهم، ماذا تريدني أن أقول".
شاب يرفض الحديث وبعد أن سألنه :ليس لك رأي ؟ "أحفظ الميم تحفظك" (يقصد بالميم حرف "م" ما نعرف، ما نشوف، ما نسمع!)ألا ترى أنك إذا حفظت الميم الأمور قد تتفاقم وتكبر ؟ "لتتفاقم وتكبر"
"هذه الأمور نرفضها، ولكن لا حياة لمن تنادي لا يوجد من يسمعنا، لا يوجد ضمير حي"
أسوار المقابر منهارة [/center]
\"ليجعلوا حارس في المقابر ولينظموها\" وفجأة يدخل في جدال مع صديقه \"وأين هم\" \"قل لي أنهم لا يعملون الواجب\" \"هذا أحسن قل لي لا يوجد أحد في عمله\"
\"واحدة تأتي لنبش قبر في مقبرة والحارس لا يراها هذا غير معقول\" [b]لكن مواطنين رأوهم في مقبرة سيدي حرب.
\"هم أولا يرون الموتى ولا يخافون.. ويفعلون مثل هذه الأشياء.. الحرام.. وزد على هذا شاب وشابة يخرجان في الطريق العام ليس بالأمر الجيد فما بالكم في مقبرة\"
مما لا شك فيه أن مسؤولية صيانة وإزالة الحشائش وحراسة المقابر تقع على عاتق مصالح البلدية، إلا أن الملاحظ أن مقبرة زغوان تفتقر لبوابة من الجانب المحاذي لواجهة البحر (شاطئ levé de l’orrore مطلع الفجر)، الأمر الذي جعلها مرتع للرذيلة، التي عجز حراس البلدية عن دفعها حتى عن أهل المقابر وهو ما يوضحه الكاتب العام لبلدية عنابة السيد مرابطي الطاهر الموقف عن مهامه حاليا :