واجبات الأمة نحو السنة
جلال راغون
من الملاحظ في عصرنا وجود
طوائف مختلفة تسيء إلى السنة النبوية؛ فطائفة لا تتثبت عند استدلالها بالسنة مما
يقودها إلى أن تستدل بالأحاديث الضعيفة والموضوعة بدون علم، وطائفة ثانية تسيء فهم
السنة النبوية بتأويلات فاسدة لا تستند إلى علم، وطائفة ثالثة تدعو إلى الاســتغناء
عــن السنة وترك العمل بها لأسباب أوهن من بيت العنكبوت.
ولا شك أن هذه
الطوائف أساءت إلى الإسلام وساهمت في إبعاد الأمة عن دينها الذي يعتبر مصدر عزها
وقوتها.
وفي هذه الدراسة المتواضعة سألقي بعض الأضواء على واجبات الأمة نحو
السنة؛ فعساها إن قامت بها أن تسترجع عزتها، وما ذلك على الله
بعزيز.
وسأتناول الموضوع من خلال أربعة مسائل:
1 - بيان مدلولات
السنة لغة واصطلاحاً.
2 - بيان الواجب الأول نحو السنة وهو التثبت
والتمحيص.
3 - بيان الواجب الثاني نحو السنة وهو حسن الفهم.
4 - بيان
الواجب الثالث نحو السنة وهو الالتزام والعمل.
أولاً: تعريف السنة لغة
واصطلاحاً:
للسنة لغةً عدة معان(1) منها:
- الطريقة والسيرة سواء
كانت حسنة أو قبيحة، ومن هذا القبيل قول خالد بن عتبة الهذلي:
فلا
تَجْزَعَنْ من سيرة أنت سرتها فأول راضٍ سُنَّةً من يسيرها
- الطبيعة
والسجية. وبه فسر بعضهم قول الأعشى:
كريمٌ شمائله من بني معاوية الأكرمين
السنن
واصطلاحاً يختلف مدلول السنة من علم لآخر(2):
فالسنة في علم
الحديث هي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول وفعل وتقرير ووصف وسيرة
سواء كان ذلك قبل مبعثه أو بعده.
والسنة في علم أصول الفقه هي ما صدر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول وفعل وتقرير بقصد التشريع؛ فهي بهذا المعنى
مصدر من مصادر التشريع الإسلامي.
والسنة في علم الفقه حكم من الأحكام
الشرعية؛ فهي مرادفة للمندوب والمستحب؛ فالسنة ما يطلب فعله على وجه الترغيب بحيث
يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.
وهناك استعمالات اصطلاحية أخرى للسنة منها
إطلاق السنة على العقيدة الصحيحة التي كان عليها سلف الأمة، والرد على عقائد
المبتدعة، ومن هذا القبيل الكتب التي سميت باسم السنة ككتب عبد الله ابن الإمام
أحمد، وابن أبي عاصم، والخلال، رحمهم الله جميعاً.
بعد هذا البيان فالمقصود
بالسنة في هذه الدراسة هو المعنى الأصولي أي السنة باعتبارها مصدراً للأحكام
الشرعية.
ثانياً: واجب التثبت والتمحيص:
أول واجب على الأمة نحو
السنة هو التثبت والتمحيص؛ إذ من المعلوم عند أهل العلم أنه ليس كل ما ينسب إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو صحيح، بل هناك أحاديث ضعيفة وموضوعة، ومن ثم يجب
تصفية السنة من هذه الأحاديث المردودة حتى لا ننسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
ما لم يصدر عنه.
وقبل أن أذكر أين يتجلى واجب الأمة في عصرنا نحو السنة
بالنسبة للواجب الأول، أود أن أقدم صورة مجملة عن بعض جوانب جهود علماء الأمة في
العصور السابقة نحو هذا الواجب، وسأقتصر على جانبين:
الجانب الأول: علم
مصطلح الحديث.
وهذا العلم وضع بالأساس لتمحيص السنة وتمييز ما ثبت منها مما
لم يثبت، وهو خلاصة علوم كثيرة على رأسها علم العلل، وعلم الجرح والتعديل، والدارس
لهذا العلم يعلم المجهودات الضخمة التي بذلها المحدثون لتصفية السنة وصيانتها،
فجزاهم الله عن الإسلام خير الحزاء.
الجانب الثاني: علم تخريج
الأحاديث.
لما انتشرت السنة في مصنفات كثيرة وفي علوم مختلفة، ولم يقم كثير
ممن ذكر الأحاديث في تآليفه بواجب التمحيص بعزو الأحاديث إلى مصادرها وبيان مرتبتها
من حيث القبول والرد، كان لزاماً على علماء الحديث أن يقوموا بواجبهم بتخريج تلك
الأحاديث وبيان مرتبتها حتى لا يغتر بها من لا علم له، وهكذا ظهرت وانتشرت كتب
التخريج عبر العصور وما أكثرها.
فهذه لمحة سريعة عن جوانب قليلة مما بذله
علماء سلف الأمة نحو السنة بالنسبة لواجب التثبت والتمحيص.
فما هو واجب
الأمة في عصرنا الحاضر؟
حسب رأيي المتواضع وباختصار شديد يتعين على الأمة
إيجاد مؤسسة علمية متخصصة على صعيد العالم الإسلامي مهمتها الأساسية جمع السنة ثم
تمحيصها ونقدها من طرف أهل الاختصاص، وهذا العمل يتطلب إمكانيات بشرية ومادية ضخمة؛
إذ المطلوب جمع جميع الأحاديث الموجودة سواء في المصادر المطبوعة أو المخطوطة، ثم
دراسة أسانيدها دراسة نقدية مما سيسفر عن إصدار موسوعتين للسنة: الأولى: موسوعة
السنة المقبولة، والثانية: موسوعة السنة المردودة.
ولا شك أن الأمة في عصرنا
تمتلك الإمكانيات لتحقيق ذلك، وقد أنشئت في بعض الأقطار الإسلامية مراكز لخدمة
السنة النبوية، فالمرجو أن تكون تلك المراكز اللبنة الأولى لإنشاء المؤسسة المنشودة
على صعيد العالم الإسلامي؛ إذ تحقيق هذه الأمنية يتطلب المساهمة من جميع الأقطار
الإسلامية.
ثالثاً: واجب حسن الفهم:
بعد القيام بالواجب الأول وهو
التمحيص والتصفية يأتي الواجب الثاني وهو حسن فهم السنة البنوية، وقد بين الرسول
صلى الله عليه وسلم أن العلماء الصالحين سيقومون بهذا الواجب وذلك في قوله ـ عليه
الصلاة والسلام ـ: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين
وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» أخرجه ابن جرير، وتمام في فوائده، وصححه الحافظ
العلائي، وابن القيم وغيرهما(3).
جلال راغون
من الملاحظ في عصرنا وجود
طوائف مختلفة تسيء إلى السنة النبوية؛ فطائفة لا تتثبت عند استدلالها بالسنة مما
يقودها إلى أن تستدل بالأحاديث الضعيفة والموضوعة بدون علم، وطائفة ثانية تسيء فهم
السنة النبوية بتأويلات فاسدة لا تستند إلى علم، وطائفة ثالثة تدعو إلى الاســتغناء
عــن السنة وترك العمل بها لأسباب أوهن من بيت العنكبوت.
ولا شك أن هذه
الطوائف أساءت إلى الإسلام وساهمت في إبعاد الأمة عن دينها الذي يعتبر مصدر عزها
وقوتها.
وفي هذه الدراسة المتواضعة سألقي بعض الأضواء على واجبات الأمة نحو
السنة؛ فعساها إن قامت بها أن تسترجع عزتها، وما ذلك على الله
بعزيز.
وسأتناول الموضوع من خلال أربعة مسائل:
1 - بيان مدلولات
السنة لغة واصطلاحاً.
2 - بيان الواجب الأول نحو السنة وهو التثبت
والتمحيص.
3 - بيان الواجب الثاني نحو السنة وهو حسن الفهم.
4 - بيان
الواجب الثالث نحو السنة وهو الالتزام والعمل.
أولاً: تعريف السنة لغة
واصطلاحاً:
للسنة لغةً عدة معان(1) منها:
- الطريقة والسيرة سواء
كانت حسنة أو قبيحة، ومن هذا القبيل قول خالد بن عتبة الهذلي:
فلا
تَجْزَعَنْ من سيرة أنت سرتها فأول راضٍ سُنَّةً من يسيرها
- الطبيعة
والسجية. وبه فسر بعضهم قول الأعشى:
كريمٌ شمائله من بني معاوية الأكرمين
السنن
واصطلاحاً يختلف مدلول السنة من علم لآخر(2):
فالسنة في علم
الحديث هي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول وفعل وتقرير ووصف وسيرة
سواء كان ذلك قبل مبعثه أو بعده.
والسنة في علم أصول الفقه هي ما صدر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول وفعل وتقرير بقصد التشريع؛ فهي بهذا المعنى
مصدر من مصادر التشريع الإسلامي.
والسنة في علم الفقه حكم من الأحكام
الشرعية؛ فهي مرادفة للمندوب والمستحب؛ فالسنة ما يطلب فعله على وجه الترغيب بحيث
يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.
وهناك استعمالات اصطلاحية أخرى للسنة منها
إطلاق السنة على العقيدة الصحيحة التي كان عليها سلف الأمة، والرد على عقائد
المبتدعة، ومن هذا القبيل الكتب التي سميت باسم السنة ككتب عبد الله ابن الإمام
أحمد، وابن أبي عاصم، والخلال، رحمهم الله جميعاً.
بعد هذا البيان فالمقصود
بالسنة في هذه الدراسة هو المعنى الأصولي أي السنة باعتبارها مصدراً للأحكام
الشرعية.
ثانياً: واجب التثبت والتمحيص:
أول واجب على الأمة نحو
السنة هو التثبت والتمحيص؛ إذ من المعلوم عند أهل العلم أنه ليس كل ما ينسب إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو صحيح، بل هناك أحاديث ضعيفة وموضوعة، ومن ثم يجب
تصفية السنة من هذه الأحاديث المردودة حتى لا ننسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
ما لم يصدر عنه.
وقبل أن أذكر أين يتجلى واجب الأمة في عصرنا نحو السنة
بالنسبة للواجب الأول، أود أن أقدم صورة مجملة عن بعض جوانب جهود علماء الأمة في
العصور السابقة نحو هذا الواجب، وسأقتصر على جانبين:
الجانب الأول: علم
مصطلح الحديث.
وهذا العلم وضع بالأساس لتمحيص السنة وتمييز ما ثبت منها مما
لم يثبت، وهو خلاصة علوم كثيرة على رأسها علم العلل، وعلم الجرح والتعديل، والدارس
لهذا العلم يعلم المجهودات الضخمة التي بذلها المحدثون لتصفية السنة وصيانتها،
فجزاهم الله عن الإسلام خير الحزاء.
الجانب الثاني: علم تخريج
الأحاديث.
لما انتشرت السنة في مصنفات كثيرة وفي علوم مختلفة، ولم يقم كثير
ممن ذكر الأحاديث في تآليفه بواجب التمحيص بعزو الأحاديث إلى مصادرها وبيان مرتبتها
من حيث القبول والرد، كان لزاماً على علماء الحديث أن يقوموا بواجبهم بتخريج تلك
الأحاديث وبيان مرتبتها حتى لا يغتر بها من لا علم له، وهكذا ظهرت وانتشرت كتب
التخريج عبر العصور وما أكثرها.
فهذه لمحة سريعة عن جوانب قليلة مما بذله
علماء سلف الأمة نحو السنة بالنسبة لواجب التثبت والتمحيص.
فما هو واجب
الأمة في عصرنا الحاضر؟
حسب رأيي المتواضع وباختصار شديد يتعين على الأمة
إيجاد مؤسسة علمية متخصصة على صعيد العالم الإسلامي مهمتها الأساسية جمع السنة ثم
تمحيصها ونقدها من طرف أهل الاختصاص، وهذا العمل يتطلب إمكانيات بشرية ومادية ضخمة؛
إذ المطلوب جمع جميع الأحاديث الموجودة سواء في المصادر المطبوعة أو المخطوطة، ثم
دراسة أسانيدها دراسة نقدية مما سيسفر عن إصدار موسوعتين للسنة: الأولى: موسوعة
السنة المقبولة، والثانية: موسوعة السنة المردودة.
ولا شك أن الأمة في عصرنا
تمتلك الإمكانيات لتحقيق ذلك، وقد أنشئت في بعض الأقطار الإسلامية مراكز لخدمة
السنة النبوية، فالمرجو أن تكون تلك المراكز اللبنة الأولى لإنشاء المؤسسة المنشودة
على صعيد العالم الإسلامي؛ إذ تحقيق هذه الأمنية يتطلب المساهمة من جميع الأقطار
الإسلامية.
ثالثاً: واجب حسن الفهم:
بعد القيام بالواجب الأول وهو
التمحيص والتصفية يأتي الواجب الثاني وهو حسن فهم السنة البنوية، وقد بين الرسول
صلى الله عليه وسلم أن العلماء الصالحين سيقومون بهذا الواجب وذلك في قوله ـ عليه
الصلاة والسلام ـ: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين
وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» أخرجه ابن جرير، وتمام في فوائده، وصححه الحافظ
العلائي، وابن القيم وغيرهما(3).