معنى حديث (الأرواح جنود مجندة ...)
الحمد لله ،
والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
روى الإمام
البخاري رحمه الله في صحيحه معلقا مجزوما به عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : "
الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا
تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ . " صحيح البخاري : كتاب أحاديث الأنبياء : باب
الأرواح جنود مجندة .
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث : .. قوله : (
الأرواح جنود مجندة إلخ ) قال الخطابي : يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في
الخير والشر والصلاح والفساد , وأن الخيِّر من الناس يحن إلى شكله والشرير نظير ذلك
يميل إلى نظيره فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر , فإذا
اتفقت تعارفت , وإذا اختلفت تناكرت . ويحتمل أن يراد الإخبار عن بدء الخلق في حال
الغيب على ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجسام , وكانت تلتقي فتتشاءم , فلما حلت
بالأجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم .
وقال غيره : المراد أن الأرواح أول ما خلقت خلقت على قسمين , ومعنى تقابلها أن
الأجساد التي فيها الأرواح إذا التقت في الدنيا ائتلفت أو اختلفت على حسب ما خلقت
عليه الأرواح في الدنيا إلى غير ذلك بالتعارف . قلت : ولا يعكر عليه أن بعض
المتنافرين ربما ائتلفا , لأنه محمول على مبدأ التلاقي , فإنه يتعلق بأصل الخلقة
بغير سبب . وأما في ثاني الحال فيكون مكتسبا لتجدد وصف يقتضي الألفة بعد النفرة
كإيمان الكافر وإحسان المسيء . وقوله " جنود مجندة " أي أجناس مجنسة أو جموع مجمعة
, قال ابن الجوزي : ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له
فضيلة أو صلاح فينبغي أن يبحث عن المقتضي لذلك ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف
المذموم , وكذلك القول في عكسه . وقال القرطبي : الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحا
لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها , فتتشاكل أشخاص النوع الواحد وتتناسب بسبب ما
اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة , ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف
نوعها وتنفر من مخالفها . ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف وبعضها يتنافر ,
وذلك بحسب الأمور التي يحصل الاتفاق والانفراد بسببها .
ورويناه موصولا في مسند
أبي يعلى وفيه قصة في أوله عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت " كانت امرأة مزاحة بمكة
فنزلت على امرأة مثلها في المدينة , فبلغ ذلك عائشة فقالت : صدق حبي , سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " فذكر مثله . انتهى
والحديث قد رواه مسلم رحمه الله
في صحيحه 4773 وقال النووي رحمه الله في شرحه : قوله صلى الله عليه وسلم : (
الأرواح جنود مجندة , فما تعارف منها ائتلف , وما تناكر منها اختلف ) قال العلماء :
معناه جموع مجتمعة , أو أنواع مختلفة . وأما تعارفها فهو لأمر جعلها الله عليه ,
وقيل : إنها موافقة صفاتها التي جعلها الله عليها , وتناسبها في شيمها . وقيل :
لأنها خلقت مجتمعة , ثم فرقت في أجسادها , فمن وافق بشيمه ألِفه , ومن باعده نافره
وخالفه . وقال الخطابي وغيره : تآلفها هو ما خلقها الله عليه من السعادة أو الشقاوة
في المبتدأ , وكانت الأرواح قسمين متقابلين . فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتلفت
واختلفت بحسب ما خلقت عليه , فيميل الأخيار إلى الأخيار , والأشرار إلى الأشرار .
والله أعلم .
الحمد لله ،
والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
روى الإمام
البخاري رحمه الله في صحيحه معلقا مجزوما به عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : "
الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا
تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ . " صحيح البخاري : كتاب أحاديث الأنبياء : باب
الأرواح جنود مجندة .
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث : .. قوله : (
الأرواح جنود مجندة إلخ ) قال الخطابي : يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في
الخير والشر والصلاح والفساد , وأن الخيِّر من الناس يحن إلى شكله والشرير نظير ذلك
يميل إلى نظيره فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر , فإذا
اتفقت تعارفت , وإذا اختلفت تناكرت . ويحتمل أن يراد الإخبار عن بدء الخلق في حال
الغيب على ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجسام , وكانت تلتقي فتتشاءم , فلما حلت
بالأجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم .
وقال غيره : المراد أن الأرواح أول ما خلقت خلقت على قسمين , ومعنى تقابلها أن
الأجساد التي فيها الأرواح إذا التقت في الدنيا ائتلفت أو اختلفت على حسب ما خلقت
عليه الأرواح في الدنيا إلى غير ذلك بالتعارف . قلت : ولا يعكر عليه أن بعض
المتنافرين ربما ائتلفا , لأنه محمول على مبدأ التلاقي , فإنه يتعلق بأصل الخلقة
بغير سبب . وأما في ثاني الحال فيكون مكتسبا لتجدد وصف يقتضي الألفة بعد النفرة
كإيمان الكافر وإحسان المسيء . وقوله " جنود مجندة " أي أجناس مجنسة أو جموع مجمعة
, قال ابن الجوزي : ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له
فضيلة أو صلاح فينبغي أن يبحث عن المقتضي لذلك ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف
المذموم , وكذلك القول في عكسه . وقال القرطبي : الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحا
لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها , فتتشاكل أشخاص النوع الواحد وتتناسب بسبب ما
اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة , ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف
نوعها وتنفر من مخالفها . ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف وبعضها يتنافر ,
وذلك بحسب الأمور التي يحصل الاتفاق والانفراد بسببها .
ورويناه موصولا في مسند
أبي يعلى وفيه قصة في أوله عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت " كانت امرأة مزاحة بمكة
فنزلت على امرأة مثلها في المدينة , فبلغ ذلك عائشة فقالت : صدق حبي , سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " فذكر مثله . انتهى
والحديث قد رواه مسلم رحمه الله
في صحيحه 4773 وقال النووي رحمه الله في شرحه : قوله صلى الله عليه وسلم : (
الأرواح جنود مجندة , فما تعارف منها ائتلف , وما تناكر منها اختلف ) قال العلماء :
معناه جموع مجتمعة , أو أنواع مختلفة . وأما تعارفها فهو لأمر جعلها الله عليه ,
وقيل : إنها موافقة صفاتها التي جعلها الله عليها , وتناسبها في شيمها . وقيل :
لأنها خلقت مجتمعة , ثم فرقت في أجسادها , فمن وافق بشيمه ألِفه , ومن باعده نافره
وخالفه . وقال الخطابي وغيره : تآلفها هو ما خلقها الله عليه من السعادة أو الشقاوة
في المبتدأ , وكانت الأرواح قسمين متقابلين . فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتلفت
واختلفت بحسب ما خلقت عليه , فيميل الأخيار إلى الأخيار , والأشرار إلى الأشرار .
والله أعلم .