إن الصحابة كانوا يحتفلون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل أحوالهم، يفرحون به ويبتهجون بحضوره، ويتنافسون في خدمته والتشبه به، صحبوه وأفنوا أعمارهم في محبته،
قال أبو العباس المرسي: "والله لو غاب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي مسلما"، فجعلوا من محبته صلى الله عليه وسلم تذكر كامل سيرته: من نسبه إلى ميلاده إلى شبابه إلى تجارته إلى زواجه إلى بعثته إلى تربيته وتأليفه وجهاده ودعوته ووصاياه وبشاراته ونذاراته؟ قال صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين": متفق عليه، حتى يكون كله صلى الله عليه وسلم؛ شخصه ورسالته وحديثه وذكره ومحابه وأحبابه أحب إلينا من كل مخلوق يجوز حبه. ومن محابه صلى الله عليه وآله وسلم يوم ولادته، روى مسلم في صحيحه عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الإثنين فقال: "هذا يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه". فكان يتذكر يوم ولادته مثلما يتذكر يوم بعثته ونزول القرآن عليه.
وما زالت هذه الأمة ولله الحمد تفرح وتبتهج بهذه المناسبة، فيجتمع الناس –وهم مبتسمون-على تلاوة القرآن الكريم وقراءة الحديث الشريف، ومدارسة السيرة النبوية، ويتغنون بالأمداح والأناشيد، ويصلون الرحم، ويتزاورون ويصلحون ذات البين، فيدخل السرور على الصغار والكبار والنساء والرجال.
بل كيف لا نحتفل برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم وكل لحظة، وهو الشاهد علينا في الدنيا والآخرة، وهو الذي يستقبل أعمالنا كل اثنين وخميس فيحمد الله على خيرها ويستغفر لنا على تفريطنا، وهو الذي يسلم علينا في كل لحظة سلمنا فيها عليه، وهو البشير الذي حمل لنا البشرى والمبشرات، وهو النذير الذي بعث بين يدي عذاب شديد، وهو السراج الذي أضاء به الكون أنوارا وأزهارا، وهو الماحي الذي يمحو الله به الخطايا، وهو الرحمة المهداة والعروة الوثقى "إنما أنا رحمة مهداة" (1)، و هو العاقب الذي ختمت به الرسالات، وهو الذي يعز عليه ما يعاني المؤمنون، وهو الحريص على هداية الخلق أجمعين، وهو رءوف ورحيم، وهو قرآن وكريم، وهو خلق وعظيم، قال الله تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رءوف رحيم" (التوبة128)
فلتكن ذكرى الميلاد النبوي الشريف ذكرى توبة كلية ورجوع كامل وتجديد شامل للتعلق بالجناب الشريف لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لنجعلها فرصة لمراجعة ادعائنا وتخلفنا -ونفسي الغافلة أقصد- "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم" (آل عمران 31)، وقد قسّم ابن القيم رحمه الله المحبين إلى ثلاثة أقسام: الذين يريدون من المحبوب، والذين يريدون المحبوب، والذين يريدون مع إرادتهم للمحبوب مراد المحبوب.(3)، وذلك كمال الاتباع.
ولتكن الذكرى للتذكر والذكر والتذكير، لتذكر الرسول والرسالة، الأمين والأمانة، المبلغ والبلاغ، المربي والتربية، المعلم والعلم والتعليم، وما لقيه وعاناه هو ومن معه من تعنت وكيد أهل الجهل والجهالة، وسخرية واستهزاء أهل الضلال والضلالة. والذكرى لذكر الله تعالى والقرب منه، وليس يفلح إلا الذاكرون، والذاكرون سابقون ومن المعين يستقون، "سبق المفردون" و"هلك المتنطعون"، ومن الذكر الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذكرى أيضا للتذكير بالله وبأيام الله وبأمر الله ونهي الله، وبدليل محبة الله ومعرفته، ومحبة رسوله واتباعه ونصر دعوته.
ولتكن الذكرى رجوعا إلى الله بالتذلل بين يديه افتقارا وانكسارا، واستنصارا واستبشارا، ورجوعا إلى كتابه تلاوة وحفظا وتخلقا وتحكيما، ليكون حب الله وحب رسوله أحب إلينا من كل شيء، قال الله عز وجل: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره". فانظر ما تنطوي عليه جوانحك؟ أهو حب صادق ثمنه بذل كل ما تملك؟ أم ليس لك من الأمر إلا الكلام؟
قال الله تعالى: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها، وكان الله عزيزا حكيما". علم الله ما في القلوب من نية ويقين فأكرمهم بالفتح والمغانم الكثيرة، فهل أعددنا قلوبنا لتلقي الخير والخبر، واستقبال النصر والظفر؟
روى البخاري عن عبد الله بن هشام قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب. فقال له عمر: يا رسول الله! لأنت أحبُّ إلي من كل شيء إلا نفسي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده، حتى أكونَ أحبَّ إليك من نفسك!" فقال عمر: فإنه الآن والله لأنْتَ أحبُّ إلي من نفسي! فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الآن يا عمر"!
ومن تمام الذكرى أن نشعر بالحاجة إلى ميلاد قلبي ينقلنا من عالم الغفلة والظنون إلى عالم المعرفة واليقين. قال الله جل وعلا: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا نمشي به في الناس}. وهذه حياة ثانية، ونشأة أخرى يحياها الذين جعل الله لهم نورا يمشون به.
اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك وحب من ينفعنا حبه عندك، واجعلنا اللهم ممن يحتفل بنبيك في الدنيا والآخرة. آمين.وصلى الله وسلم وبارك دائما أبدا على سيدنا محمد وعلى سادتنا آله وصحبه الكرام.
قال أبو العباس المرسي: "والله لو غاب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي مسلما"، فجعلوا من محبته صلى الله عليه وسلم تذكر كامل سيرته: من نسبه إلى ميلاده إلى شبابه إلى تجارته إلى زواجه إلى بعثته إلى تربيته وتأليفه وجهاده ودعوته ووصاياه وبشاراته ونذاراته؟ قال صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين": متفق عليه، حتى يكون كله صلى الله عليه وسلم؛ شخصه ورسالته وحديثه وذكره ومحابه وأحبابه أحب إلينا من كل مخلوق يجوز حبه. ومن محابه صلى الله عليه وآله وسلم يوم ولادته، روى مسلم في صحيحه عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الإثنين فقال: "هذا يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه". فكان يتذكر يوم ولادته مثلما يتذكر يوم بعثته ونزول القرآن عليه.
وما زالت هذه الأمة ولله الحمد تفرح وتبتهج بهذه المناسبة، فيجتمع الناس –وهم مبتسمون-على تلاوة القرآن الكريم وقراءة الحديث الشريف، ومدارسة السيرة النبوية، ويتغنون بالأمداح والأناشيد، ويصلون الرحم، ويتزاورون ويصلحون ذات البين، فيدخل السرور على الصغار والكبار والنساء والرجال.
بل كيف لا نحتفل برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم وكل لحظة، وهو الشاهد علينا في الدنيا والآخرة، وهو الذي يستقبل أعمالنا كل اثنين وخميس فيحمد الله على خيرها ويستغفر لنا على تفريطنا، وهو الذي يسلم علينا في كل لحظة سلمنا فيها عليه، وهو البشير الذي حمل لنا البشرى والمبشرات، وهو النذير الذي بعث بين يدي عذاب شديد، وهو السراج الذي أضاء به الكون أنوارا وأزهارا، وهو الماحي الذي يمحو الله به الخطايا، وهو الرحمة المهداة والعروة الوثقى "إنما أنا رحمة مهداة" (1)، و هو العاقب الذي ختمت به الرسالات، وهو الذي يعز عليه ما يعاني المؤمنون، وهو الحريص على هداية الخلق أجمعين، وهو رءوف ورحيم، وهو قرآن وكريم، وهو خلق وعظيم، قال الله تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رءوف رحيم" (التوبة128)
فلتكن ذكرى الميلاد النبوي الشريف ذكرى توبة كلية ورجوع كامل وتجديد شامل للتعلق بالجناب الشريف لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لنجعلها فرصة لمراجعة ادعائنا وتخلفنا -ونفسي الغافلة أقصد- "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم" (آل عمران 31)، وقد قسّم ابن القيم رحمه الله المحبين إلى ثلاثة أقسام: الذين يريدون من المحبوب، والذين يريدون المحبوب، والذين يريدون مع إرادتهم للمحبوب مراد المحبوب.(3)، وذلك كمال الاتباع.
ولتكن الذكرى للتذكر والذكر والتذكير، لتذكر الرسول والرسالة، الأمين والأمانة، المبلغ والبلاغ، المربي والتربية، المعلم والعلم والتعليم، وما لقيه وعاناه هو ومن معه من تعنت وكيد أهل الجهل والجهالة، وسخرية واستهزاء أهل الضلال والضلالة. والذكرى لذكر الله تعالى والقرب منه، وليس يفلح إلا الذاكرون، والذاكرون سابقون ومن المعين يستقون، "سبق المفردون" و"هلك المتنطعون"، ومن الذكر الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذكرى أيضا للتذكير بالله وبأيام الله وبأمر الله ونهي الله، وبدليل محبة الله ومعرفته، ومحبة رسوله واتباعه ونصر دعوته.
ولتكن الذكرى رجوعا إلى الله بالتذلل بين يديه افتقارا وانكسارا، واستنصارا واستبشارا، ورجوعا إلى كتابه تلاوة وحفظا وتخلقا وتحكيما، ليكون حب الله وحب رسوله أحب إلينا من كل شيء، قال الله عز وجل: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره". فانظر ما تنطوي عليه جوانحك؟ أهو حب صادق ثمنه بذل كل ما تملك؟ أم ليس لك من الأمر إلا الكلام؟
قال الله تعالى: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها، وكان الله عزيزا حكيما". علم الله ما في القلوب من نية ويقين فأكرمهم بالفتح والمغانم الكثيرة، فهل أعددنا قلوبنا لتلقي الخير والخبر، واستقبال النصر والظفر؟
روى البخاري عن عبد الله بن هشام قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب. فقال له عمر: يا رسول الله! لأنت أحبُّ إلي من كل شيء إلا نفسي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده، حتى أكونَ أحبَّ إليك من نفسك!" فقال عمر: فإنه الآن والله لأنْتَ أحبُّ إلي من نفسي! فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الآن يا عمر"!
ومن تمام الذكرى أن نشعر بالحاجة إلى ميلاد قلبي ينقلنا من عالم الغفلة والظنون إلى عالم المعرفة واليقين. قال الله جل وعلا: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا نمشي به في الناس}. وهذه حياة ثانية، ونشأة أخرى يحياها الذين جعل الله لهم نورا يمشون به.
اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك وحب من ينفعنا حبه عندك، واجعلنا اللهم ممن يحتفل بنبيك في الدنيا والآخرة. آمين.وصلى الله وسلم وبارك دائما أبدا على سيدنا محمد وعلى سادتنا آله وصحبه الكرام.