بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .
أما بعد :
فقد بينا فيما سلف في كتاب "نظرات في التصوير الفني"أن سيد قطب في هذا الكتاب قد اعتمد على أصول منها :
1-
الأصل الجهمي الخطير الذي قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية : إنه ينبوع
البدع وهو الاستدلال بحدوث الأعراض على حدوث الأجسام وبحدوث الأجسام على
حدوث العالم وبحدوث العالم على وجود الله .
فجرهم هذا إلى تعطيل صفات
الله لأن الصفات في نظرهم أعراض والأعراض لا تقوم إلا بجسم والله يتنـزه
عن ذلك .فعطل الجهمية الأساسية أسماء الله وصفاته ، وتأثر بهذا الأصل
المعتزلة فعطلوا به صفات الله .وتأثر به الأشاعرة فعطلوا كثيرا من صفات
الله ،ومنها العلو على الكون والاستواء على العرش والوجه واليدين والرضى
والغضب والحكمة فلم يثبتوا من صفات الله إلا الصفات السبع التي أثبتوها
ومنها العلم والإرادة ….الخ
2- ومن الأصول التي بنى عليها سيد قطب ضلاله في كتابه التصوير الفني إيمانه بوجود التصوير الفني في نصوص القرآن بل جل نصوص القرآن .
3- ومنها : إيمانه بأن الدين والفن صنوان .
4-
ومنها : غلوه في حرية الفكر والقول ، وتجرده من العقيدة حينما كتب التصوير
الفني ومشاهد القيامة في القرآن وافتخاره بذلك واعتباره العقيدة غلا يغل
التفكير .
5- ومنها : الأصل الصوفي الخطير " اللهم إني أعبدك لا
خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك " هذا الأصل الذي وصفه بعض أهل السنة
والجماعة بأنه زندقة .
6- واليوم ننبه القراء إلى أصل خطير هو من أهم
أسس التكفير في الماضي والحاضر ألا وهو ما قرره سيد قطب في كتابه في ظلال
القرآن (3/1474-1475) في تفسير قول الله تعالى ( إنما المؤمنون الذين إذا
ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم
يتوكلون . الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . أولئك هم المؤمنون
حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم)
قال : ((إن التعبير القرآني
دقيق في بنائه اللفظي ليدل دلالة دقيقة على مدلوله المعنوي .وفي العبارة
هنا قصر بلفظ " إنما " . وليس هنالك مبرر لتأويله – وفيه هذا الجزم الدقيق
– ليقال : إن المقصود هو " الإيمان الكامل " .
فلو شاء الله - سبحانه –
أن يقول هذا لقاله . إنما هو تعبير محدد دقيق الدلالة . إن هؤلاء الذين
هذه صفاتهم وأعمالهم ومشاعرهم هم المؤمنون .فغيرهم ممن ليس له هذه الصفات
بجملتها ليسوا بالمؤمنين . والتوكيد في آخر الآيات :"أولئك هم المؤمنون
حقا " يقرر هذه الحقيقة . فغير المؤمنين "حقا " لا يكونون مؤمنين أصلا .
والتعبيرات القرآنية يفسر بعضها بعضا . والله يقول: ( فماذا بعد الحق إلا
الضلال].
فما لم يكن حقا فهو الضلال . وليس المقابل لوصف :" المؤمنون
حقا " هو المؤمنون إيمانا غير كامل ولا يجوز أن يصبح التعبير القرآني
الدقيق عرضة لمثل هذه التأويلات المميعة لكل تصور ولكل تعبير .
لذلك
كان السلف يعرفون من هذه الآيات أن من لم يجد في نفسه وعمله هذه الصفات لم
يجد الإيمان ولم يكن مؤمناً أصلاً .. جاء في تفسير ابن كثير : : قال علي
بن طلحة عن ابن عباس ، في قوله إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت
قلوبهم ) قال : المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه
، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله ، ولا يتوكلون ، ولا يصلون إذا غابوا ( عن
أعين الناس) ولايؤدون زكاة أموالهم . فأخبر الله تعالى أنهم ليسوا بمؤمنين
. ثم وصف الله المؤمنين فقال إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت
قلوبهم ) فأدوا فرائضه .(وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ) يقول :
زادتهم تصديقاً ، "وعلى ربهم يتوكلون " يقول : لا يرجون غيره . وسنرى من
طبيعة هذه الصفات أنه لا يمكن أن يقوم بدونها الإيمان أصلاً ، وأن الأمر
فيها ليس أمر كمال الإيمان أو نقصه ، إنما هو أمر وجود الإيمان أو عدمه (
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم).
إنها الارتعاشة
الوجدانية التي تنتاب القلب المؤمن حين يذكر بالله في أمر أو نهي فيغشاه
جلاله ، وتنتفض فيه مخافته ، ويتمثل عظمة الله ومهابته ، إلى جانب تقصيره
هو وذنبه ، فينبعث إلى العمل والطاعة ... أو هي كما قالت أم الدرداء – رضي
الله عنها – فيما رواه الثوري ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن شهر بن
حوشب ، عن أم الدرداء قالت :"الوجل في القلب كاحتراق السعفة ، أما تجد له
قشعريرة ؟ قال : بلى . قالت : إذا وجدت ذلك فادعوا الله عند ذلك . فإن
الدعاء يذهب ذلك .
إنها حال ينال القلب منها أمر يحتاج إلى الدعاء
ليستريح منها ويقر وهي الحال التي يجدها القلب المؤمن حين يذكر بالله في
صدد أمر أو نهي ، فيأتمر معها وينتهي كما يريد الله ، وجلاً وتقوى لله .
( وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً ]
والقلب المؤمن يجد في آيات هذا القرآن ما يزيده إيماناً ، وما ينتهي به إلى الاطمئنان [1](1)
إن هذا القرآن يتعامل مع القلب البشري بلا وساطة ، ولا يحول بينه وبينه
شيء إلا الكفر الذي يحجبه عن القلب ويحجب القلب عنه ، فإذا رفع هذا الحجاب
بالإيمان وجد القلب حلاوة هذا القرآن ، ووجد إيقاعات القرآن على القلب
المؤمن تزيده إيمانا ، فإن القلب المؤمن هو الذي يدرك هذه الإيقاعات [2](2)
التي تزيده إيمانا ..لذلك يتكرر في القرآن تقرير هذه الحقيقة في أمثال
قوله تعالى :" إن في ذلك لآيات للمؤمنين " "إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون "
.. ومن ذلك قول أحد الصحابة – رضوان الله عليهم - : كنا نؤتي الإيمان قبل
أن نؤتي القرآن ...) ا.هـ
أقول : عجيب أمر هذا الرجل إنه لا يختلف أهل
السنة والجماعة وطائفة من طوائف الضلال في أصل من الأصول إلا وينحاز هذا
الرجل إلى الطائفة المخالفة لأهل السنة ، فها هو في تفسير هذه الآية يتعمد
مخالفة أهل السنة والجماعة في أصل عظيم من أصول الإيمان يتميزون به عن
سائر فرق الضلال.