لحفاظ على أمن الأمّة مسؤولية الجميع
الحمد لله الذي أكرمنا بدين جمع أطراف الخير من بين كل الشرائع و الملل و الأديان، و شرفنا بكتاب حاز الخلال و البرّ و المكارم و الإحسان، و خصّنا بنبي كريم الشّيم و السّجايا والأخلاق الحسان.
و أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين من أهل التقى و الإيمان، و رافع درجات المحسنين من حملة أنوار القرآن، و لواء سنة النبي العدنان، و أشهد أن محمدا عبده المرتضى، ورسوله المصطفى، و نبيه المجتبى، القائل في أصح الأحاديث و أفصحها " الدين النصيحة "، فتركها كلمة باقية تجلّل سماء المسلمين، و تعطّر حياتهم إلى يوم الدين.
أمّا بعد، عباد الله المؤمنين:
إننا و نحن نقرأ كتاب الله و سنّة رسوله صلى الله عليه و سلم، إنّما نحيي و نبغي من وراء هذه القراءة هديه القويمَ، و نهجه المستقيمَ، سنّته الشريفة، وسيرته المنيفة، و أين إذا لا أين لنا مثلها، و أصلُها أصلُها و حسْنُها حسْنُها.
نهج قائم على قوله عليه الصلاة والسلام:" بشّرا و لا تنفّرا، يسّرا و لا تعسّرا، تطاوعا و لا تختلفا " و هديٌ بني على ( ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم )، و لست تجد محبّا للمصطفى عليه الصلاة و السلام، ولا ترى مقتديا به إلا و هو أبعد الخلق عن معاطن الفتن و مواطن الحيرة، بل على العكس من ذلك تماما فأتباع الحق ينظرون إلى الحقائق، و لا يغترون بتلبيس المموّهين، و تزييف المغرضين.
عباد الله المؤمنين:
لقد حفظ الإسلام بنيان المجتمع، و صان أركانه بما يحقق للأفراد السعادة، و الراحة والطمأنينة، من أمن على الأنفس و الثمرات، وإشباع للأرواح من نبع الخير والحسنات، بل و جعل ذلك من أسمى مقاصده، وأعلى مراميه في مصادره و موارده، و لقد ضرب رسول الله عليه الصلاة و السلام مثلا حال المجتمع بحال ناس استقلوا سفينة، فأراد رجل في أسفل السفينة أن يخرقها من قبله فقال عليه الصلاة و السلام: " إن أخذوا بيده نجا و نجوا جميعا، و إن تركوه هلك و هلكوا جميعا "، فنحن جميعا نعيش في سفينة واجب الحفاظ عليها يقع علينا جميعا، و إلا لا قدّر الله نهلك جميعا.
عباد الله المؤمنين:
من كرم الله علينا أن شرّفنا بكتاب مقدّس خالد، و دين مهيمن خالص، قائم على حب الخير و فعله، و إنكار الشرّ و تركه، و هو القائل: " كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله "، و جعل على ذلك أعلاما يهدون بأمره، حيث قال تعالى: ﴿ و جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا، و كانوا بآياتنا يوقنون ﴾.
و قال في حقّهم سبحانه و تعالى: ﴿ و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا، و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و كانوا لنا عابدين ﴾.
فخطاب المسجد و كلمتنا على المنابر هي كلمة الحقّ، الذي يستقبله الجميع بالإجلال و الترحاب، لأنه لا يدعو إلا إلى اجتماع الكلمة، و توحيد الصّف، عملا بقوله تعالى:
﴿ و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا ﴾، و حيث أن مبدأ سدّ الذرائع و غلق المنافذ أمام الإنزلاقات و الانحرافات، من أعظم المصادر الشّرعية على ما جاء في الآية الكريمة:
﴿ و لا تقربا هذه الشجرة ﴾ فالمحرّم كان الأكل، و النّهي كان عن القرب، لأن القرب مظنّة الأكل، و ما أدّى إلى الحرام فهو حرام.
و من مظاهر تطبيق هذا المبدأ الكبير في حيانا اليومية، سدّ الطرق المؤدية إلى اختلال فريضة الاعتصام و الاتحاد، و غلق المنافذ المفضية إلى زعزعة أركان الاجتماع، و زلزلة بنيان الاتفاق، فنجد في القرآن الدعوة إلى التثبّت في نقل الأخبار قبل إشاعتها، و التيقّن منها قبل إذاعتها ،عملا بقوله تعالى:
﴿ إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾، ذلك حتى لا تصبح شؤون الناس غرضا للمرجفين، وهدفا لسهام المتاجرين بسلام الأمّة و سلامتها، وأمنها و إيمانها، و ما أكثر الأقلام المأجورة، و الألسنة الموزورة التي نفثت سحرها، و ألقت مكرها على السّاحة، وتمتمت بكلمات لم تلق لها بالا، فهوت بالناس سبعين خريفا في الفتن و الويلات، و الأحزان و الحسرات.
عباد الله المؤمنين:
المسلم الصالح حريص على ما يخدم الأمة في عاجلها و آجلها، و يصون حرماتها، و يرعى مصالحها انطلاقا من قوله: " إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت "، فإذا شعر بخطر محدق أو أمر جلل داهم يهدد الناس في دينهم أو دنياهم، في أموالهم أو أنفسهم فإنه يعلن الإنذار، و يبعث التحذير عملا بقوله صلّى الله عليه و سلم: " إنّ الرائد لا يكذب أهله "، و قوله: " المستشار مؤتمن" ، و عليه فإن واجبنا الدّيني يحتّم علينا إسداء النصيحة من منطلق المحبّة و الأخوّة، فنقولها صريحة لا تتوارى بحجاب، و لا تتلكّأ بشكّ أو ارتياب، أن الجزائر أمانة الصّادقين من الشهداء، و وصية الصالحين من العلماء يراد بها سوء من وراء جدر، ممن لا يرقبون فينا إلاّ ولا ذمّة.
أحبّتنا في الله، نسجل للتاريخ، و نلقى الله بشهادة حق ﴿ و من يكتمها فإنه آثم قلبه ﴾.
إنّ يومنا هذا الآمن ليس كأمسنا الخائف، ونهارنا هذا المنير ليس كليلة بارحتنا الحالكة، فلنقم لله شاكرين على آلائه و أفضاله، كما علّمنا الإسلام، ولنشكر النعمة بإقامة الشعائر حيث قال عزّ من قائل: ﴿ فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف ﴾.
لقد اكتوت الجزائر وأبناؤها أكثر من غيرها بنار الحروب و الفتن، و عرف أهلها قبل الناس كلّهم معنى الخوف بعد الأمن و الدعة، و عرفوا الأحزان على فقد الأقارب والأحبة، و معنى اليتم في مفارقة الأب الشفيق و الأمّ الرؤوم، و خبروا الزمان حين الفتن كيف يدفع الناس فيه فاتورة الانسياق وراء كل ناعق، و الانقياد لكل دعوى.
و في هذا المقام نذكر أنفسنا وإخواننا بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم:
" لا يكن أحدكم إمّعة، يقول إن أحسن الناس أحسنت، و إن أساؤوا أسأت، و لكن وطّنوا لأنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا و إن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم".
فلنربأ بأنفسنا أن نلدغ من جحر مرتين، أو نقاسي الليالي المريرة كرتين، بعد إن انقشع عنّا ضباب الأحزان، وأفلّ نجم النحس و توارت الآلام و طواها الزمان.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربّ العالمين و العاقبة للمتقين، و الصلاة و السلام على خاتم الأنبياء و المرسلين، و على آله و صحبه أجمعين، و بعد، عباد الله المؤمنين:
إن الحفاظ على الأديان والأوطان، والأرواح و الأموال، و الأعراض و الحرمات، هي مسؤولية جميع أفراد المجتمع دون استثناء، و يلقى الجميع ربّهم بقدر ما تحمّلوا من أعبائها.
فمسؤولية الحاكم إشاعة العدل و تحقيق العدالة، و أخذ الرعيّة بالحكمة و الرحمة.
و مسؤولية الرعية وجوب النصح و النصرة، و السمع و الطاعة ( و لا ننزع يدا من طاعة ).
كما قال صلى الله عليه و سلم: " و أن لا تنازع الأمر أهله " و التحلي بالصبر، و إسداء النصيحة و الكلمة الطيّبة.
و جمهور أهل السنة و الجماعة يقرّرون أن واجب العلماء النصح و واجب الرعيّة الدعاء لوليّ الأمر بالخير.
و مسؤوليةٌ تقع على العلماء ببيان الحق و الدعوة إليه، و فضح الباطل و التحذير منه، و كشف المستور من مؤامرة الأعداء ضدّ الأّمّة و الله يقول: ﴿ و خذوا حذركم ﴾ و لقد تناقل العلماء قولة مشهورة مفادها أن الفتنة إذا أقبلت رآها العلماء، و إذا أدبرت رآها كل الناس.
و عليه فإن مسؤولية العلماء النصح و البيان، و الدعوة إلى رصّ الصفوف، و توحيد الكلمة، و تفويت الفرص على المتربصين بنا .
و مسؤولية تقع على الأولياء بإرشاد الأبناء، و النصح لهم، إذ ليس أحد أحرص على الأبناء و لا أقرب إليهم من أب رحيم، و أمّ حنون، يسدون إليهم النصح الخالص، و الكلمة الصادقة في تجنيبهم آثار السلوكات المضطربة، و الصّحبة المنحرفة.
و المسؤولية مسؤولية المعلمين و الأساتذة، في تنوير العقول، و تهذيب الأخلاق، و إيصال كلمة الحق إلى أن تبلغ مداها في إقناع لا إكراه معه، و دليل لا عنف فيه، و ما أجمل كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي أوتي جوامع الكلم في قوله: " كلّكم راع و كلّكم مسؤول عن رعيّته ".
فلنعلم أنّنّا جميعا سنبعث، و يقف كل فرد منا وحده ليس بينه و بين الله ترجمان، يسأله عن دينه و دنياه، و حياته و شبابه، ووقته و فراغه، فلا يلقينّك ولا يلفينّك في موقف أو سلوك أو قول قد لا تجد له جوابا أو منه فكاكا.
عباد الله المؤمنين:
إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلّكم تذكرون.
اللّهم هيئ لنا من أمرنا رشدا، اللّهم نسألك العفو و العافية، و المعافاة الدّائمة.
اللّهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، و أصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا.
اللّهم أصلح ولاة أمورنا، و خذ بأيديهم إلى طاعتك و العمل بشريعتك.
اللّهم وفق ولي أمرنا إلى كل خير و جنّبه كل شرّ.
اللّهم نسألك في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار
الحمد لله الذي أكرمنا بدين جمع أطراف الخير من بين كل الشرائع و الملل و الأديان، و شرفنا بكتاب حاز الخلال و البرّ و المكارم و الإحسان، و خصّنا بنبي كريم الشّيم و السّجايا والأخلاق الحسان.
و أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين من أهل التقى و الإيمان، و رافع درجات المحسنين من حملة أنوار القرآن، و لواء سنة النبي العدنان، و أشهد أن محمدا عبده المرتضى، ورسوله المصطفى، و نبيه المجتبى، القائل في أصح الأحاديث و أفصحها " الدين النصيحة "، فتركها كلمة باقية تجلّل سماء المسلمين، و تعطّر حياتهم إلى يوم الدين.
أمّا بعد، عباد الله المؤمنين:
إننا و نحن نقرأ كتاب الله و سنّة رسوله صلى الله عليه و سلم، إنّما نحيي و نبغي من وراء هذه القراءة هديه القويمَ، و نهجه المستقيمَ، سنّته الشريفة، وسيرته المنيفة، و أين إذا لا أين لنا مثلها، و أصلُها أصلُها و حسْنُها حسْنُها.
نهج قائم على قوله عليه الصلاة والسلام:" بشّرا و لا تنفّرا، يسّرا و لا تعسّرا، تطاوعا و لا تختلفا " و هديٌ بني على ( ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم )، و لست تجد محبّا للمصطفى عليه الصلاة و السلام، ولا ترى مقتديا به إلا و هو أبعد الخلق عن معاطن الفتن و مواطن الحيرة، بل على العكس من ذلك تماما فأتباع الحق ينظرون إلى الحقائق، و لا يغترون بتلبيس المموّهين، و تزييف المغرضين.
عباد الله المؤمنين:
لقد حفظ الإسلام بنيان المجتمع، و صان أركانه بما يحقق للأفراد السعادة، و الراحة والطمأنينة، من أمن على الأنفس و الثمرات، وإشباع للأرواح من نبع الخير والحسنات، بل و جعل ذلك من أسمى مقاصده، وأعلى مراميه في مصادره و موارده، و لقد ضرب رسول الله عليه الصلاة و السلام مثلا حال المجتمع بحال ناس استقلوا سفينة، فأراد رجل في أسفل السفينة أن يخرقها من قبله فقال عليه الصلاة و السلام: " إن أخذوا بيده نجا و نجوا جميعا، و إن تركوه هلك و هلكوا جميعا "، فنحن جميعا نعيش في سفينة واجب الحفاظ عليها يقع علينا جميعا، و إلا لا قدّر الله نهلك جميعا.
عباد الله المؤمنين:
من كرم الله علينا أن شرّفنا بكتاب مقدّس خالد، و دين مهيمن خالص، قائم على حب الخير و فعله، و إنكار الشرّ و تركه، و هو القائل: " كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله "، و جعل على ذلك أعلاما يهدون بأمره، حيث قال تعالى: ﴿ و جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا، و كانوا بآياتنا يوقنون ﴾.
و قال في حقّهم سبحانه و تعالى: ﴿ و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا، و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و كانوا لنا عابدين ﴾.
فخطاب المسجد و كلمتنا على المنابر هي كلمة الحقّ، الذي يستقبله الجميع بالإجلال و الترحاب، لأنه لا يدعو إلا إلى اجتماع الكلمة، و توحيد الصّف، عملا بقوله تعالى:
﴿ و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا ﴾، و حيث أن مبدأ سدّ الذرائع و غلق المنافذ أمام الإنزلاقات و الانحرافات، من أعظم المصادر الشّرعية على ما جاء في الآية الكريمة:
﴿ و لا تقربا هذه الشجرة ﴾ فالمحرّم كان الأكل، و النّهي كان عن القرب، لأن القرب مظنّة الأكل، و ما أدّى إلى الحرام فهو حرام.
و من مظاهر تطبيق هذا المبدأ الكبير في حيانا اليومية، سدّ الطرق المؤدية إلى اختلال فريضة الاعتصام و الاتحاد، و غلق المنافذ المفضية إلى زعزعة أركان الاجتماع، و زلزلة بنيان الاتفاق، فنجد في القرآن الدعوة إلى التثبّت في نقل الأخبار قبل إشاعتها، و التيقّن منها قبل إذاعتها ،عملا بقوله تعالى:
﴿ إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾، ذلك حتى لا تصبح شؤون الناس غرضا للمرجفين، وهدفا لسهام المتاجرين بسلام الأمّة و سلامتها، وأمنها و إيمانها، و ما أكثر الأقلام المأجورة، و الألسنة الموزورة التي نفثت سحرها، و ألقت مكرها على السّاحة، وتمتمت بكلمات لم تلق لها بالا، فهوت بالناس سبعين خريفا في الفتن و الويلات، و الأحزان و الحسرات.
عباد الله المؤمنين:
المسلم الصالح حريص على ما يخدم الأمة في عاجلها و آجلها، و يصون حرماتها، و يرعى مصالحها انطلاقا من قوله: " إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت "، فإذا شعر بخطر محدق أو أمر جلل داهم يهدد الناس في دينهم أو دنياهم، في أموالهم أو أنفسهم فإنه يعلن الإنذار، و يبعث التحذير عملا بقوله صلّى الله عليه و سلم: " إنّ الرائد لا يكذب أهله "، و قوله: " المستشار مؤتمن" ، و عليه فإن واجبنا الدّيني يحتّم علينا إسداء النصيحة من منطلق المحبّة و الأخوّة، فنقولها صريحة لا تتوارى بحجاب، و لا تتلكّأ بشكّ أو ارتياب، أن الجزائر أمانة الصّادقين من الشهداء، و وصية الصالحين من العلماء يراد بها سوء من وراء جدر، ممن لا يرقبون فينا إلاّ ولا ذمّة.
أحبّتنا في الله، نسجل للتاريخ، و نلقى الله بشهادة حق ﴿ و من يكتمها فإنه آثم قلبه ﴾.
إنّ يومنا هذا الآمن ليس كأمسنا الخائف، ونهارنا هذا المنير ليس كليلة بارحتنا الحالكة، فلنقم لله شاكرين على آلائه و أفضاله، كما علّمنا الإسلام، ولنشكر النعمة بإقامة الشعائر حيث قال عزّ من قائل: ﴿ فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف ﴾.
لقد اكتوت الجزائر وأبناؤها أكثر من غيرها بنار الحروب و الفتن، و عرف أهلها قبل الناس كلّهم معنى الخوف بعد الأمن و الدعة، و عرفوا الأحزان على فقد الأقارب والأحبة، و معنى اليتم في مفارقة الأب الشفيق و الأمّ الرؤوم، و خبروا الزمان حين الفتن كيف يدفع الناس فيه فاتورة الانسياق وراء كل ناعق، و الانقياد لكل دعوى.
و في هذا المقام نذكر أنفسنا وإخواننا بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم:
" لا يكن أحدكم إمّعة، يقول إن أحسن الناس أحسنت، و إن أساؤوا أسأت، و لكن وطّنوا لأنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا و إن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم".
فلنربأ بأنفسنا أن نلدغ من جحر مرتين، أو نقاسي الليالي المريرة كرتين، بعد إن انقشع عنّا ضباب الأحزان، وأفلّ نجم النحس و توارت الآلام و طواها الزمان.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربّ العالمين و العاقبة للمتقين، و الصلاة و السلام على خاتم الأنبياء و المرسلين، و على آله و صحبه أجمعين، و بعد، عباد الله المؤمنين:
إن الحفاظ على الأديان والأوطان، والأرواح و الأموال، و الأعراض و الحرمات، هي مسؤولية جميع أفراد المجتمع دون استثناء، و يلقى الجميع ربّهم بقدر ما تحمّلوا من أعبائها.
فمسؤولية الحاكم إشاعة العدل و تحقيق العدالة، و أخذ الرعيّة بالحكمة و الرحمة.
و مسؤولية الرعية وجوب النصح و النصرة، و السمع و الطاعة ( و لا ننزع يدا من طاعة ).
كما قال صلى الله عليه و سلم: " و أن لا تنازع الأمر أهله " و التحلي بالصبر، و إسداء النصيحة و الكلمة الطيّبة.
و جمهور أهل السنة و الجماعة يقرّرون أن واجب العلماء النصح و واجب الرعيّة الدعاء لوليّ الأمر بالخير.
و مسؤوليةٌ تقع على العلماء ببيان الحق و الدعوة إليه، و فضح الباطل و التحذير منه، و كشف المستور من مؤامرة الأعداء ضدّ الأّمّة و الله يقول: ﴿ و خذوا حذركم ﴾ و لقد تناقل العلماء قولة مشهورة مفادها أن الفتنة إذا أقبلت رآها العلماء، و إذا أدبرت رآها كل الناس.
و عليه فإن مسؤولية العلماء النصح و البيان، و الدعوة إلى رصّ الصفوف، و توحيد الكلمة، و تفويت الفرص على المتربصين بنا .
و مسؤولية تقع على الأولياء بإرشاد الأبناء، و النصح لهم، إذ ليس أحد أحرص على الأبناء و لا أقرب إليهم من أب رحيم، و أمّ حنون، يسدون إليهم النصح الخالص، و الكلمة الصادقة في تجنيبهم آثار السلوكات المضطربة، و الصّحبة المنحرفة.
و المسؤولية مسؤولية المعلمين و الأساتذة، في تنوير العقول، و تهذيب الأخلاق، و إيصال كلمة الحق إلى أن تبلغ مداها في إقناع لا إكراه معه، و دليل لا عنف فيه، و ما أجمل كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي أوتي جوامع الكلم في قوله: " كلّكم راع و كلّكم مسؤول عن رعيّته ".
فلنعلم أنّنّا جميعا سنبعث، و يقف كل فرد منا وحده ليس بينه و بين الله ترجمان، يسأله عن دينه و دنياه، و حياته و شبابه، ووقته و فراغه، فلا يلقينّك ولا يلفينّك في موقف أو سلوك أو قول قد لا تجد له جوابا أو منه فكاكا.
عباد الله المؤمنين:
إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلّكم تذكرون.
اللّهم هيئ لنا من أمرنا رشدا، اللّهم نسألك العفو و العافية، و المعافاة الدّائمة.
اللّهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، و أصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا.
اللّهم أصلح ولاة أمورنا، و خذ بأيديهم إلى طاعتك و العمل بشريعتك.
اللّهم وفق ولي أمرنا إلى كل خير و جنّبه كل شرّ.
اللّهم نسألك في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار