وسام المنتدى
من طرف mshmsha الأربعاء ديسمبر 16, 2009 8:16 pmاذا كان القرءان الكريم نزل بلسان عربى مبين فانه قد نزل فى بيئه لغويه قد استوت فيها الفصاحه والبلاغه وبلغتنا الذروه لكنه جاء معجزا لاهل الفصاحه والبلاغه اما كلام المصطفى صلوات الله وسلامه عليه فلم يكن مقصودا به الاعجاز لكنه من طبقة رفيعة تنم عن انه نبى ادبه ربه فأحسن تأديبه كما ان هناك اسبابا علل بها فصاحته تلك الاسباب هى اعلى درجة عرفها العرب فى تقويم الالسنه فانه صلى الله عليه وسلم حين نسب الفصاحه الى نفسه قال (أنا افصح العرب بيد انى من قريش ونشأت فى بنى سعد بن بكر) كما ان الله اختصر له المعانى الكبار فاجتمعت له تحت اللفظ الموجز فقال (اوتيت جوامع الكلم )
اذا كنا نؤمن بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو افصح العرب وان من مظاهر فصاحته التحدث مع وفود العرب بلهجاتهم العربية فهل يمكن ان نتعامل مع لغة الرسول صلى الله عليه وسلم دون التسلح بعلوم اللغه والبلاغه؟
حول القرءان الكريم قامت دراسات كثيرة تحاول الكشف عن وجوه اعجازه فى لغته ونظمه وبلاغته فنشأت علوم التفسير واللغة والبلاغة وهى كلها علوم شريفة قامت لاجل النص القرأنى المعجز واتخذت من لغة العرب مادة لدراسة القرءان الكريم لكن العلماء نسوا أو تناسوا الاشاره الى الحديث النبوى الشريف فلم يجئ فى دراساتهم الا احاديث قليلة ففى (دلائل الاعجاز) لعبد القاهر الجرجانى نجد ستة عشر حديثا وصلت عند ابن رشيق فى كتابه (العمدة) الى اربعة وستين حديثا حيث كان بعض النحويين قد اذاعوا مقولة خاطئة هى ان رواة الاحاديث من الاعاجم وهذه المقولة نفسها هى الكفيلة بهدم علم النحو لان سيبويه ليس عربى الاصل لكن التسمية الاكثر دقة والاكثر تأدبا اطلقها عليهم علماء اللغات الاسلامية حيث قالوا انهم من ذوى اللسانين وظلت مشكلة عدم الاستشهاد بالحديث النبوى قائمة حتى عصر السيوطى حيث اخذ بالمقولة الشائعه فى شرحه لشولهد كتاب (مغنى اللبيب ) لكنه ما لبث ان تراجع عنها وشرح كثيرا من الاحاديث النبوية فى رسائل صغيرة حتى وضع شرحا نحويا للحديث النبوى بكتابة (عقود الزبرجد.شرح على مسند احمد)
لكن بعض العلماء من اصحاب الحديث كانوا قد تنبهوا الى نص الحديث النبوى فنع بعضهم كتبا فى ( امثال الحديث ) وشرح بعضهم غريب الحديث لكن بعض الشراح نثروا الاشارات المعجمية والنحوية والبلاغية فى ثنايا كتبهم عن ( غريب الحديث ) كما قامت بعض الدراسات الكلامية فى ثنايا شروح الحديث النبوى وهى المتعلقة بالاستواء على العرش ونسبة اليد والوجه وغير ذلك الى الحق سبحانه وتعالى وهى مسائل قريبة النسب الى علوم البلاغة كما اجتمع كل هذا وذاك فى سياق شروح كتب السنة النبوية المشرفة حيث حظى صحيح البخارى وحده بعشرات الشروح المطبوعة والمخطوطة والتى احصى معظمها الدكتور على جمعه (مفتى الديار المصريه) فى كتابه عن (صحيح البخارى) لكن معظم هذه الشروح ما زال فى خزائن المخطوطات فى العالم لان دور النشر فى وطننا العربى تحركها قوانين السوق فتعيد طبع ما هو مطبوع وتعيد تحقيق ما هو محقق على ايدى علماء افاضل فافتقدنا الناشرين العلماء الذين يكشفون لنا ذخائر تراثنا العربى والاسلامى؟
ولم تكن الحياة العلمية مظلمة تماما فقد ادلى الكثير من علمائنا الافاضل بدلوهم فى الكشف عن كثير من وجوه البلاغة فى الحديث النبوى الشريف لكن الدراسات التى افردوها للمباحث البلاغية فى الحديث النبوى تعد قليلة فقد وضع الشاعر العظيم الشريف الرضى كتابا عن بلاغة القرأن بعنوان (مجازات القرأن ) ثم ثناه بكتابه ( المجازات النبوية ) وقد طبع هذان الكتابان وما يهمنا الان هو كتابة عن الحديث النبوى الذى طبع عدة طبعات وما زال فى حاجة ماسة الى طباعته بعد تحقيقه تحقيقا علميا دقيقا يخرج احاديثه وشواهده الشعرية ويضبط نصوصه؟
لقد تناول الشريف الرضى فى هذا الكتاب 361 حديثا نبويا بالشرح البلاغى لاستخراج الاسرار البلاغية فكان عمله -على اختصاره-مستوعبا لكثير من المباحث البلاغية ومستفيدا من الثروة العلمية فى بغداد التى ولد بها ونشأ وتعلم ومات فيها .
ومن الاحاديث النبوية التى تناولها الرضى قوله عليه الصلاة والسلام للحادى: (يا أنجشة رفقا بالقوارير) فقال فى شرحه : (وهذه استعارة عجيبة لانه عليه الصلاة والسلام شبه النساء فى ضعف النحائز ووهن الغرائز - بالقوارير الرقيقة التى يوهنها الخفيف ويصدعها اللطيف فنهى ان يسمعهن ذلك الحادى ما يحرك مواضع الصبوة وينقض معاقد العفة).
كما شرح الرضى قول النبى عليه الصلاة والسلام (ان الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا ) فقال ( وهذا الكلام من محاسن الاستعارات وبدائع المجازات لانه عليه الصلات والسلام جعل الاسلام غريبا فى اول امره تسبيها بالرجل الغريب الذى قل انصاره وبعدت دياره لان الاسلام كان على هذه الصفة فى اول ظهوره ثم استقرت قواعده واشتدت معاقده وكثر اعوانه وقوله عليه الصلاة والسلام (وسيعود غريبا ) اى يعود الى مثل الحال الاولى فى قلة العاملين بشرائعه والقائمين بوظائفه لا انه والعياذ بالله تمحى سماته وتدرس اياته.
كما ان عالما اخر مات فى نفس العام موت الشريف الرضى عام 406 هـ هو ابو بكر بن فوراك الذى نشأ ايضا فى بغداد ثم رحل الى نيسابور ثم الى الهند هذا العالم الجليل وضع كتبا كثيرة منها كتابه ( مشكل الحديث وبيانه ) وقد سبق ان اشرنا الى ان علم الكلام وثيق الصلة بالتأويل البلاغى حيث ان كثيرا من المشكلات الكلامية تقوم على النزاع بين الحقيقة والمجاز ولا بد من الاستماع الى اراء علماء البلاغة فى مثل هذه المسائل ونحن بعيدون الان عن تلك المسائل لكننا قريبون من فصاحة النبى صلى الله عليه وسلم وبلاغته وهو ما يهمنا الان فى هذه السطور فقد روى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال ( ان موسى عليه السلام لطم عين ملك الموت فأعوره) وكان بعض الملاحدة و المستهترين فى عصر ابن فورك قد تندروا بهذا الحديث حين اخذوا الحديث على محمل الحقيقة فقال ابن فورك ( اعلم ان اهل النقل قد صححوا هذا الحديث وله تأويل صحيح لا ينكر وذلك ان الله عز وجل قد جعل للملائكة ان يتصوروا بما شاءوا من الصور المختلفة الا ترى ان جبريل عليه السلام اتى رسول الله فى صورة دحيى الكلبى ومرة فى صورة اعرابى ومرة اخرى وقد سد بجناحيه ما بين الافق؟ وكذلك قال الله : فأرسلنااليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت انى اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا . فان قال قائل : وكيف ساغ لنبى ان يلطم عين ملك الموت وان كان على صورة اخرى ؟
فهذا السؤال يرد عليه ابن فورك ردا يشرح به بلاغة الحديث النبوى فقال : ان معنى قوله ( لطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ) توسع فى الكلام وهو نحو ما يحكى عن على رضى الله عنه انه قال ( انا فقأت عين الفتنة) يريد بذلك ان موسى ألزم ملك الموت الحجة حين راده فى قبض روحه على حسب ما ورد فى الخبر واعلم ان للعرب فى نحو ذلك استعارات يعرف معانيها ومجارى خطابها فيها المتوسع فى استقراء كلامهم والمتبحر فى المعرفة بلغاتهم فاذا كانت اللطمة مستعملة عندهم على أمرين : احدهما ان يراد به عين الجارحة وادخال النقض فيها . والثانى ان يراد به عين الشئ وذاته ويراد بالعور محقه ومحوه لم ينكر ان يكون معنى الكلام محمولا عليه على معنى التوسع واذا كان كذلك لم يكن لما توهمه الزائغ عن الحق معنى . وبطل توهمه الطعن بذلك على انبياء الله عليهم السلام . وبعد .. فهذا قليل من كثير اورده علماء البلاغة فى كتبهم عن كلام افصح الفصحاء وابلغ البلغاء ولذلك فان التعامل مع النص النبوى يحتاج الى التسلح بأدوات الفصاحة والبلاغة قبل الاندفاع الى ساحة مليئة بأفاضل العلماء دون التسلح بأسلحتهم.
