توبة عظيمة
ونذكر هنا نموذجاً لتوبة الرعيل الأول من هذه الأمة، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن بريدة رضي الله عنه: أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله إني ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول الله إني زنيت فرده الثانية، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه، فقال: (أتعلمون بعقله بأساً ؟ أتنكرون منه شيئاً ؟) قالوا: ما نعلمه إلا وفيّ العقل، من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضاً، فسأل عنه فأخبره أنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة، ثم أمر به فرجم، قال: فجاءت الغامدية، فقالت: يا رسول الله إني زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد، قالت: يا رسول الله لم تردني ؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزاً، فوالله إني لحبلى، قال: (أما لا، فاذهبي حتى تلدي)، قال: فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا رسول الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فتنضخ الدم على وجه خالد فسبها، فسمع نبي الله سبه إياها، فقال: (مهلاً يا خالد ! فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس "وهو الذي يأخذ الضرائب" لغفر له) رواه مسلم. ثم أمر بها فصلى عليها، ودفنت.
وفي رواية فقال عمر يا رسول الله رجمتها ثم تصلي عليها ! فقال: ( لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة وسعتهم، وهل وجدت شيئاً أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل. رواه عبد الرزاق في مصنفه 7/325.
التوبة تمحو ما قبلها
وقد يقول قائل: أريد أن أتوب ولكن من يضمن لي مغفرة الله إذا تبت وأنا راغب في سلوك طريق الاستقامة ولكن يداخلني شعور بالتردد ولو أني أعلم أن الله يغفر لي لتبت ؟
فأقول له ما داخلك من المشاعر داخل نفوس أناس قبلك من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولو تأملت في هاتين الروايتين بيقين لزال ما في نفسك إن شاء الله.
الأولى: روى الإمام مسلم رحمه الله قصة إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه وفيها: " فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه فقبضت يديّ قال: مالك يا عمرو ؟ قال: قلت أردت أن أشترط، قال (تشترط بماذا؟) قلت: أن يغفر لي. قال: (أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟).
والثانية: وروى الإمام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: " إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن، ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزل قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} الفرقان /68. ونزل: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله).
هل يغفر الله لي
وقد تقول أريد أن أتوب ولكن ذنوبي كثيرة جداً ولم أترك نوعاً من الفواحش إلا واقترفته، ولا ذنباً تتخيله أو لا تتخيله إلا ارتكبته لدرجة أني لا أدري هل يمكن أن يغفر الله لي ما فعلته في تلك السنوات الطويلة.
وأقول لك أيها الأخ الكريم: هذه ليست مشكلة خاصة بل هي مشكلة كثير ممن يريدون التوبة وأذكر مثالاً عن شاب وجه سؤالاً مرة بأنه قد بدأ في عمل المعاصي من سن مبكرة وبلغ السابعة عشرة من عمره فقط وله سجل طويل من الفواحش كبيرها وصغيرها بأنواعها المختلفة مارسها مع أشخاص مختلفين صغاراً وكباراً حتى اعتدى على بنت صغيرة، وسرق عدة سرقات ثم يقول: تبت إلى الله عز وجل، أقوم وأتهجد بعض الليالي وأصوم الاثنين والخميس، وأقرأ القرآن الكريم بعد صلاة الفجر فهل لي من توبة ؟
والمبدأ عندنا أهل الإسلام أن نرجع إلى الكتاب والسنة في طلب الأحكام والحلول والعلاجات، فلما عدنا إلى الكتاب وجدنا قول الله عز وجل: (قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً أنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له) الزمر الآيتان 53،54
فهذا الجواب الدقيق للمشكلة المذكورة وهو واضح لا يحتاج إلى بيان.
أما الإحساس بأن الذنوب أكثر من أن يغفرها الله فهو ناشيء عن عدم يقين العبد بسعة رحمة ربه أولاً.
ونقص في الإيمان بقدرة الله على مغفرة جميع الذنوب ثانياً.
وضعف عمل مهم من أعمال القلوب هو الرجاء ثالثاً.
وعدم تقدير مفعول التوبة في محو الذنوب رابعاً.
ونجيب عن كل منها.
فأما الأول: فيكفي في تبيانه قول الله تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء) الأعراف /56.
وأما الثاني: فيكفي فيه الحديث القدسي الصحيح: (قال تعالى من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي، ما لم يشرك بي شيئاً) رواه الطبراني في الكبير والحاكم، صحيح الجامع 4330. وذلك إذا لقي العبد ربه في الآخرة.
وأما الثالث: فيعالجه هذا الحديث القدسي العظيم: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي، صحيح الجامع 4338.
وأما الرابع: فيكفي فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه، صحيح الجامع 3008.
ونذكر هنا نموذجاً لتوبة الرعيل الأول من هذه الأمة، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن بريدة رضي الله عنه: أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله إني ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول الله إني زنيت فرده الثانية، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه، فقال: (أتعلمون بعقله بأساً ؟ أتنكرون منه شيئاً ؟) قالوا: ما نعلمه إلا وفيّ العقل، من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضاً، فسأل عنه فأخبره أنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة، ثم أمر به فرجم، قال: فجاءت الغامدية، فقالت: يا رسول الله إني زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد، قالت: يا رسول الله لم تردني ؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزاً، فوالله إني لحبلى، قال: (أما لا، فاذهبي حتى تلدي)، قال: فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا رسول الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فتنضخ الدم على وجه خالد فسبها، فسمع نبي الله سبه إياها، فقال: (مهلاً يا خالد ! فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس "وهو الذي يأخذ الضرائب" لغفر له) رواه مسلم. ثم أمر بها فصلى عليها، ودفنت.
وفي رواية فقال عمر يا رسول الله رجمتها ثم تصلي عليها ! فقال: ( لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة وسعتهم، وهل وجدت شيئاً أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل. رواه عبد الرزاق في مصنفه 7/325.
التوبة تمحو ما قبلها
وقد يقول قائل: أريد أن أتوب ولكن من يضمن لي مغفرة الله إذا تبت وأنا راغب في سلوك طريق الاستقامة ولكن يداخلني شعور بالتردد ولو أني أعلم أن الله يغفر لي لتبت ؟
فأقول له ما داخلك من المشاعر داخل نفوس أناس قبلك من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولو تأملت في هاتين الروايتين بيقين لزال ما في نفسك إن شاء الله.
الأولى: روى الإمام مسلم رحمه الله قصة إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه وفيها: " فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه فقبضت يديّ قال: مالك يا عمرو ؟ قال: قلت أردت أن أشترط، قال (تشترط بماذا؟) قلت: أن يغفر لي. قال: (أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟).
والثانية: وروى الإمام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: " إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن، ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزل قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} الفرقان /68. ونزل: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله).
هل يغفر الله لي
وقد تقول أريد أن أتوب ولكن ذنوبي كثيرة جداً ولم أترك نوعاً من الفواحش إلا واقترفته، ولا ذنباً تتخيله أو لا تتخيله إلا ارتكبته لدرجة أني لا أدري هل يمكن أن يغفر الله لي ما فعلته في تلك السنوات الطويلة.
وأقول لك أيها الأخ الكريم: هذه ليست مشكلة خاصة بل هي مشكلة كثير ممن يريدون التوبة وأذكر مثالاً عن شاب وجه سؤالاً مرة بأنه قد بدأ في عمل المعاصي من سن مبكرة وبلغ السابعة عشرة من عمره فقط وله سجل طويل من الفواحش كبيرها وصغيرها بأنواعها المختلفة مارسها مع أشخاص مختلفين صغاراً وكباراً حتى اعتدى على بنت صغيرة، وسرق عدة سرقات ثم يقول: تبت إلى الله عز وجل، أقوم وأتهجد بعض الليالي وأصوم الاثنين والخميس، وأقرأ القرآن الكريم بعد صلاة الفجر فهل لي من توبة ؟
والمبدأ عندنا أهل الإسلام أن نرجع إلى الكتاب والسنة في طلب الأحكام والحلول والعلاجات، فلما عدنا إلى الكتاب وجدنا قول الله عز وجل: (قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً أنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له) الزمر الآيتان 53،54
فهذا الجواب الدقيق للمشكلة المذكورة وهو واضح لا يحتاج إلى بيان.
أما الإحساس بأن الذنوب أكثر من أن يغفرها الله فهو ناشيء عن عدم يقين العبد بسعة رحمة ربه أولاً.
ونقص في الإيمان بقدرة الله على مغفرة جميع الذنوب ثانياً.
وضعف عمل مهم من أعمال القلوب هو الرجاء ثالثاً.
وعدم تقدير مفعول التوبة في محو الذنوب رابعاً.
ونجيب عن كل منها.
فأما الأول: فيكفي في تبيانه قول الله تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء) الأعراف /56.
وأما الثاني: فيكفي فيه الحديث القدسي الصحيح: (قال تعالى من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي، ما لم يشرك بي شيئاً) رواه الطبراني في الكبير والحاكم، صحيح الجامع 4330. وذلك إذا لقي العبد ربه في الآخرة.
وأما الثالث: فيعالجه هذا الحديث القدسي العظيم: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي، صحيح الجامع 4338.
وأما الرابع: فيكفي فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه، صحيح الجامع 3008.