فوائد المرض

:


:
الحمدلله الذي لا اله الا هو وهو للحمد أهل وهو على كل شئ قدير.
إن الله لم يخلق شيئاً إلا و فيه نعمة إما على جميع عباده او على بعضهم , وان الله خلق البلاء نعمة ايضاً إما على المبتلى او على غير المبتلى , فمصائب قوم عند قوم فوائد , ولولا ان الله خلق العذاب والألم لما عرف المتنعمون قدر نعمته عليهم ولجهلت كثير من النعم .. ومن هنا خلق الله سبحانه الأضداد لحكم كثيرة منها معرفة النعم منها لولا المرض لما عرف قدر الصحة
مع العلم ان كل بلاء يقدر العبد على دفعه لا يؤمر بالصبر عليه بل يؤمر بإزالته ففي الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم :{ ليس للمؤمن ان يذل نفسه , ان يحمل نفسه ما لا يطيق } وإنما المحمود الصبر على ألم ليس له حيلة في إزالته كما أن من النعم نعمة تكون بلاء على صاحبها فإنه يبتلى بالنعماء والبأساء و كم من بلاء يكون نعمة على صاحبه فرب عبد تكون الخيرة له في الفقر والمرض و لو صحّ بدنه و كثر ماله لبطر وبغى قال الله تعالى :{ ولو بَسَطَ الله الرِزقَ لعبادِهِ لبغوا في الأرض }
فكل نعمة سوى الايمان و حسن الخلق قد تكون بلاء في حق بعض الناس , و كم من نعمة يحرص عليها العبد فيها هلاكه , و لما كانت الآلام والأمراض ادوية للأرواح والأبدان و كانت كمالاً للإنسان فإن ؛ فإن فاطره وبارئه ما امرضه إلا ليشفيه وما ابتلاه إلا ليعافيه
و قد حجب سبحانه اعظم اللذات بأنواع المكاره وجعلها جسراً موصلاً إليها , ولهذا قال العقلاء قاطبة : إن النعيم لا يدرك بالنعيم وإن الراحة لا تنال بالراحة فهذه الآلام والمشاق من اعظم النعم إذ هي اسباب النعم ..
فإذا تقرر هذا كله فإليكم فوائد و مصالح و منافع الأمراض و التي تزيد عن المائة فائدة اقتصرها على بعض منها :

1- من فوائد المرض , أنه تهذيب للنفس وتصفية لها من الشر الذي فيها , قال تعالى :{ و ما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير } , و قال الرسول عليه الصلاة والسلام :{ ما يصيب المؤمن من وصب ولا هم ولا حزن و لا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه } ؛ فإذا كان للعبد ذنوب ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن او المرض وفي هذه بشارة فإن مرارة ساعة وهي الدنيا افضل من احتمال مرارة الأبد..يقول احد السلف : لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفلسين .
2- أن ما يعقبه من اللذة والسرور في الاخرة اضعاف ما يحص له من المرض :فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والعكس بالعكس , و إذا نزل بالعبد مرض او مصيبة فحمد الله بُنيَ له بيت الحمد في جنة الخلد فوق ما ينتظره من الثواب , قال الحبيب صلى الله عليه وسلم :{ يود أناس يوم القيامة ان جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء }.
3- قرب الله من المريض قرباً خاص , يقول الله تعالى :{ ابن آدم عبدي فلان مَرِضْ فلم تعده أما لو عدته لوجدتني عنده }.
4- أنه يعرف به صبر العبد فكما قيل لولا الامتحان لما ظهر فضل الصبر فإذا وجد الصبر وجد معه كل خير وإذا فات فقد معه كل خير فيمتحن الله صبر العبد وإيمانه ؛ فإما ان يخرج ذهباً او خبثاً , فالمؤمن لا بد وأن يرضى بقضاء الله و قدره في المصائب.
5- أن ينزل به من الضر والشدائد ما يلجئه الى المخاوف حتى يلجئه الى التوحيد و يتعلق قلبه بربه فيدعوه مخلصاً له الدين فسبحان الله مستخرج الدعاء بالبلاء و مستخرج الشكر بالعطاء , قال تعالى :{ و إذا انعمنا على الانسانِ أعرض و نئا بجانِبِهِ و إذا مسّه الشرُّ فذو دعـــــــاءٍ عريض } فيتضرع العبد ويتوكل على الله ويخلص الدعاء له ولا يذهب الى كاهن او ساحر وإذا استعانوا استعانوا بالله وحده , وقد ورد في الاثار : يا بان آدم البلاء يجمع بيني وبينك , والعافية تجمع بينك وبين نفسك .
6- ظهور انواع التعبد ؛ فإن لله على القلوب انواعاً من العبودبة كالخشية وتوابعها وهذه العبوديات لها اسباب تهيجها فكم من بلية كانت سبباً لإستقامة العبد وفراره الى الله وبُعده عن الغي وكم من عبد لم يتوجه الى الله إلا لما فقد صحته فبدأ بعد ذلك يسأل عن دينه وبدأ يصلي فكان هذا المرض في حقه نعمة , قال تعالى :{ و من الناس من يعبد الله على حرف * فإن اصابه خير اطمأن به وإن اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخـــــرة }.
7- أن الله يخرج به من العبد الكِبَر والعجب والفخر , فلو دامت للعبد جميع احواله لتجاوز و طغى و نسي المبدأ والمنتهى و لكن الله سلّط عليه الأمراض والأسقام والآفات وخروج الأذى منه والريح والبلغم فيجوع .. ويمرض .. ويموت كرهاً ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً .
8- انتظار المريض الفرج وافضل العبادات انتظار الفرج الأمر الذي يجعل العبد يتعلق قلبه بالله وحده و هذا ملموس و ملاحظ على أهل المرض أو المصائب وخصوصاً إذا يئس المريض من الشفاء من جهة المخلوقين وحصل الإياس منهم وتعلق قلبه بالله وحده وقال : يا رب ما بقي لهذا المرض إلا انت ؛ فإنه يحصل له الشفاء بإذن الله و هو من اعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج . و من لطائف اسرار اقتران الفرج بالشدة إذا تناهت و حصل الإياس من الخلق عند ذلك يأتي الفرج إذا تعلق العبد بالله , و هذه العبودية لا يمكن ان تحصل الا بمثل هذه الشدة , قال تعالى :{ حتى إذا استيئس الرسل و ظنوا أنهم قد كُذِبوا جاءهم نصرنا }.
9- علامة على ارادة الله بصاحبه خيراً , فعن ابي هريرة مرفوعاً :{ من يرد الله به خيراً يصب منه } أي : من لم يرد الله به خيراً لا يصب منه حتى يوافي ربه يوم القيامة.
10- أن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة و التعرف على الله في الرخاء ؛ فإنه يحفظ له عمله الصالح إذا حبسه المرض و هذا كرم من الله و تفضل هذا فوق تكفير السيئات حتى و لو كان مغمى عليه او فاقداً لعقله فإنه ما دام في وثاق الله يكتب له عمله الصالح تعرف الى الله في الرخاء يعرفك في الشدة وبالتالي تقل معاصيه وإن كان فاقداً للعقل لم تكتب عليه معصية و يكتب له عمله الصالح الذي كان بعمله في حالة صحته ,قال الحبيب عليه افضل الصلاة والتسليم :{ ما من احد من الناس يصاب بالبلاء في جسده إلا امر الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه , فقال : اكتبوا لعبدي كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ماكان في وثاقي }.
11- أنه إذا كان للعبد منزلة في الجنة و لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده .
12- أن يعرف العبد مقدار معافاته و صحته فإنه إذا تربى في العافية لا يعلم ما يقاسيه المبتلى فلا يعرف مقدار النعمة فإذا ابتلى العبد كان اكثر همه وأمانيه وآماله العودة الى حالته الأولى وأن يمتعه الله بعافيته , فكل مريض يجد من هو أشد مرضاً فيحمد الله , ثم كم نسبة صحة العبد الى مرضه فوق ما فيه من الفوائد و المنافع التي يجهلها العبد .
13- أنه إحسان و رحمة من الرب للعبد فما خلقه ربه إلا ليرحمه لا ليعذبه , قال تعالى :{ ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم و ءامنتم }. و لكن اكثر النفوس جاهلة بالله وحكمته ومع هذا فربها يرحمها لجهلها وعجزها ونقصها.
14- أنه يكون سبباً لصحة الاجساد من الامراض فلولا تلك الآلام لما حصلت العافية و هذا شأن أكبر من الأمراض ألا و هو الحمى وه يالمعروفة الآن بالملاريا ففيها منافع للأبدان لا يعلمها الا الله حيث انها تذيب بعض الفضلات وتتسبب في انضاج بعض المواد الفاسدة وإخراجها من البدن ولا يمكن أن يصل إليه دواء غيرها , قال صلى الله عليه وسلم :{ لا تسبوا الحمى فإنها تُذهب خطايا بني آدم كما يُذهب الكير خبث الحديد } لأنها تدخل في كل الأعضاء والمفاصل وعددها 360 مفصلاً و قيل إنها تؤثر في البدن تأثيراً لا يزول بالكلية الا بعد سنة .
15- تخويف العبد , قال تعالى :{ و لقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم و ما يتضرعون } فما ابتلاه الله الا ليخوفه لعله ان يرجع الى ربه.
16- أن الله يستخرج به الشكر ؛ فإن العبد إذا ابتلي بعد الصحة بالمرض وبعد القرب بالبعد – اشتاقت نفسه للعافية وبالتالي تتعرض الى نفحات الله بالدعاء فإنه لا يرد القدر الا الدعاء بل ينبغي له ان يتوسل الى الله ولا يتجلد تجلد الجاهل ؛ فإن الله امر العبد ان يسأله تكرماً وهو يغضب إذا لم يُسأل.
17- معرفة العبد ذله وحاجته وفقره الى الله ؛ فأهل السماوات والأرض محتاجون اليه سبحانه فهم فقراء إليه وهو غني عنهم و لولا أن سلّط الله عليه الامراض لنسي نفسه فجعله ربه يمرض ويحتاج ليكون تكرار اسباب الحاجة فيه سبب لخمود آثار الدعوى و هو إدعاء الربوبية فإن النفس فيها مضاهاة للربوبية ولهذا سلط الله عليه ذل العبودية وهي اربعة : ذل الحاجة .. ذل الطاعة .. ذل المحبة-فالمحب ذليل لمن احبه- .. و ذل المعصية.

و أخيراً ... اختم هذه الرسالة بأن المرض نعمة وليس نقمة وان في المرض لذائذ منها :& لذة العطف : إحاطة المريض بالحب والعناية والاهتمام من الاقارب والمعارف.
& اللذة الكبرى : ساعة اللجوء الى الله بالدعــــاء بإخلاص .
& لذة الرضا عن الله : عندما تمر لحظات الضيق على المريض و هو مقيد على السرير ويبلغ به المرض اقصاه فيفئ لحظتها الى الله كما حصل في نداء ايوب ( ربي اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين ) .
& لذة المساواة التامــــة : سنة الحيــــاة .. لا يفرق المرض بين غني أو فقير ولا يعرف حقير أو جليل .. فالناس سواء.

اسأل الله من عظيم لطفه و كرمه و ستره الجميل في الدنيا والآخرة واعوذ به من زوال نعمته وتحول عافيته و جميع سخطه اللهم اجعلنا ممن إذا اعطي شكر .. وإذا أذنب استغفر .. اللهم اعذنا من سئ الاسقام والامراض الخبيثة واعنا على انفسنا بالصبر وقوة العزيمة