أحكام الدماء الثلاثة (الحيض – الاستحاضة – النفاس)
الحيض
تعريفه:
هو دم تعتاده النساء في كل شهر مرة غالباً, وقد تراه أكثر من مرة في الشهر, وقد يكون أقل من ذلك كما سيتبين إنشاء الله.
أوصافه:
أن يكون أسود (أي شديد الحمرة), أو أحمر حاراً, عبيطاً (أي طريّاً), يخرج بدفق وحرقة, ولا يشترط أن تجتمع كل هذه الصفات في دم الحيض بل يكفي وجود بعضها ولو واحدة.
ملاحظة:
هذه المواصفات لا تعني أن كل دم تراه المرأة بهذه المواصفات يجب أن يكون حيضاً, لأنه قد يكون الدم بهذه الأوصاف ومع ذلك يحكم بأنه استحاضة. ولكن إذا رأت المرأة الدم بهذه الصفات ولم يوجد مانع يمنع من الحكم بحيضيته فإنه يحكم عليه بالحيض, فلو رأت المرأة الدم بهذه الصفات واستمر ثلاثة أيام وقد سبقه عشرة أيام نقاء التي هي أقل الطهر ففي مثل هذه الصورة يجب أن تحكم عليه بالحيض.
بدايته:
يبدأ الحيض بخروج الدم من الفرج إلى الخارج ولو بمقدار رأس إبرة ولا يكفي انصباب الدم في الرحم إلى باطن الفرج ما لم يخرج وإن كان يمكن إخراجه بقطنة أو بإصبع ولكن لو أخرجته بإدخال قطنة إلى باطن الفرج وإخراجها ملوثة بالدم فإنه يحكم عليه بالحيض.
مسائل:
1- إذا خرج سائل من الموضع وشكّت في أنه دم أو غير دم لا تجري عليه أحكام الحيض.
2- إذا افتضت البكر فسال منها دم كثير, وشكّت في أن هذا الدم الخارج هل هو دم حيض أو دم العذرة (أي البكارة) أو دم مختلط من العذرة والحيض فعليها اختبار نفسها بأن تصنع الآتي:
تدخل قطنة في الموضع وتتركها ملياً (أي مدة يمكن فيها اختبار الدم فيصل الدم إلى جوف القطنة وينغمس فيها إذا كان حيضاً, أو يطوقها إذا كان دم العذرة), ثم تخرجها إخراجاً رفيقاً بسهولة, فإن كانت القطنة مطوقة بالدم من الخارج ولم ينفذ الدم إلى باطن القطنة, فهذا الدم من العذرة, وإن كانت منغمسة ونفذ فيها الدم فهذا الدم من الحيض.
3- إنما يجب الاختبار إذا أرادت الصلاة مثلاً بنية جازمة بالوجوب فلو صلّت بنية جازمة بالوجوب بدون اختبار فصلاتها باطلة حتى لو تبين أنها ليست حائضاً, وأما لو صلّت برجاء أن لا تكون حائض ولاحتمال وجوب الصلاة عليها فصلاتها صحيحة إذا تبين إنها لم تكن حائضاَ حال الصلاة.
4- إذا تعذّر الاختبار ولو لعدم وجود قطنة أو لعمى مثلاً تلاحظ حالتها السابقة لسيلان الدم فإن كانت حائضاً تعمل عمل الحائض. وإن كانت سابقاً طاهرة فتعمل عمل الطاهرة, وإذا لم تعلم بالحالة السابقة لسيلان الدم هل هي طاهرة أو حائض فتعمل عمل الطاهرة فتصلي وتصوم, والأحوط استحباباً أن تجمع بين تروك الحائض وعمل الطاهرة.
ملاحظة:
1- المقصود بالجمع بين تروك الحائض وعمل الطاهرة: هو أن تترك الأمور المحرمة على الحائض التي لم تكن واجبة عليها قبل الحيض كقراءة آيات السجدة الواجبة ومس كتابة المصحف الشريف, وتعمل الأمور الواجبة عليها قبل الحيض المحرمة بعده كالصلاة والصوم.
2- المقصود بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة: هو أن تترك الأمور المحرمة على الحائض التي لم تكن واجبة عليها قبل الحيض, وتعمل الأمور الواجبة عليها قبل الحيض المحرمة بعده, مع الإتيان بوظيفة المستحاضة من الأغسال وغيرها كما سيأتي.
5- إذا اشتبهت في الدم الخارج هل هو دم حيض أو دم قرحة؟ ماذا تصنع؟ في هذه المسألة تلاحظ حالتها السابقة على خروج الدم المشتبه, فإن كانت حائض تعمل عمل الحائض, وإن لم تكن حائضاً فتعمل عمل الطاهرة.
6- يمكن أن تحيض الحامل وحكمها كحكم غيرها, ولكن هناك حالة واحدة تختلف فيها الحامل عن غيرها وهي: أن الدم الذي تراه بصفات الحيض بعد بداية عادتها المتقدمة بعشرين يوماً يلزمها الاحتياط فيه بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة على الاحوط وجوباً.
مدته:
1- أقل مدة الحيض:
أقلها ثلاثة أيام متوالية متصلة (كيوم سبت و أحد و اثنين ) يستمر فيها الدم وفي الليلتين المتوسطتين وهما ليلة الأحد وليلة الاثنين بدون انقطاع ولا يضر الانقطاع القليل واليسير المتعارف عليه عند بعض النساء كخمس أو عشر دقائق مثلاً.
مسائل:
1- الأيام الثلاثة قد تكون مستقلة وذلك إذا كان اليوم من طلوع الشمس إلى الغروب.
مثاله: إذا رأت الدم طلوع الشمس يوم السبت مثلاً, واستمر الدم إلى نهاية و غروب يوم الاثنين, والليلتان المتوسطتان وهما ليلة الأحد وليلة الاثنين داخلتان في حساب ثلاثة أيام الحيض وأما ليلة السبت وليلة الثلاثاء فهما خارجتان عن حساب الأيام الثلاثة.
وقد تكون الأيام ملفقة بمعنى أن يكون اليوم مركّباً من جزأين من يومين من كل يوم جزء.
توضيح: اليوم يبدأ من طلوع الشمس (1) إلى الغروب والليل ليس داخلاً فيه والليل ليس داخلاً فيه, فإذا رأت الدم في الظهر إلى الغروب, يكون اليوم ناقصاً مقداراً من طلوع الشمس إلى الظهر, فلا بد من إضافة هذا المقدار من اليوم الثاني ليكون اليوم كاملاً.
مثاله: إذا رأت الدم يوم السبت مثلاً الساعة الثانية عشرة ظهراً, فإن اليوم يتم في يوم الأحد الساعة الثانية عشرة ظهراً, وتنتهي الثلاثة أيام في يوم الثلاثاء الساعة الثانية عشرة ظهراً, وتكون الليالي المتوسطة ثلاثاً, وهي ليلة الأحد وليلة الاثنين وليلة الثلاثاء.
مسألة: إذا رأت الدم في الليل, فإن الليل لا يحسب من الأيام الثلاثاء.
مثاله: إذا رأت الدم ليلة السبت الساعة الثامنة مثلاً, فإنها لا تحسب الليل من عدد أيام الحيض الثلاثة, وإنما تحسب من يوم السبت, فتجعل السبت الأول, والأحد الثاني, والاثنين الثالث, وتنتهي الأيام الثلاثة بغروب يوم الاثنين.
2- يستفاد من اشتراط الثلاثة الأيام في الحيض أنها لو رأت الدم يوماً واحداً أو رأت الدم يومين فقط أو رأته ثلاثة أيام إلا ساعة مثلا فإنه لا يكون حيضاً.
3- يستفاد من اشتراط التوالي في الأيام الثلاثة, أنها لو رأت الدم يوم السبت مثلا واستمر الأحد ثم انقطع الاثنين ثم رأته الثلاثاء والأربعاء ثم انقطع لا يكون هذا الدم حيضاً, حتى ولو كان بصفات الحيض. وإن كان الاحوط الاستحبابي أن تجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة في أيام الدم, وتجمع بين تروك الحائض وأعمال الطاهرة في أيام النقاء.
4- يستفاد من اشتراط استمرار الدم في الأيام الثلاثة أنه لابد من دخول الليلتين المتوسطتين واستمرار الدم فيها إذا كانت الأيام الثلاثة مستقلة.
وأنه لابد من دخول ثلاث ليال متوسطات وإستمرار الدم فيها إذا كانت الأيام الثلاثة ملفقة.
فلو أنقطع الدم أثناء ليلة متوسطة لم يحسب حيضاً.
وأما ليلة اليوم الأول والليلة التي بعد اليوم الأخير فهما خارجتان من حساب الأيام الثلاثة.
ويستفاد من اشتراط استمرار الدم في الأيام الثلاثة أيضاً أنها لو رأت الدم طلوع الشمس يوم السبت مثلاً ثم انقطع ساعة ثم عاد فإنها لا تحتسبه يوماً كاملاً وإنما يحسب بدء الحيض من زمان عود الدم لو استمر ثلاثة أيام فصاعداً.
ملاحظة:
لا يشترط في الاستمرار خروج الدم إلى خارج الفرج بل يكفي بقاء الدم في باطنه فلو أدخلت قطنة وخرجت ملوثة بالدم كفى في استمرارية الحيض.
2- أكثر مدة الحيض:
أكثره عشرة أيام مستقلة أو ملفقة, ولا يشترط اتصال الأيام واستمرار الدم إلا في الأيام الثلاثة الأولى كما تقدم, وأما الأيام الباقية فيمكن انفصال الايام أو انقطاع الدم يوماً أو يومين أو أكثر.
مثال: إذا رأت الدم بصفات الحيض ثلاثة أيام ثم انقطع ثلاثة أيام ثم رأت الدم بصفات الحيض ثلاثة أيام وانقطع فجميع الدم الذي رأته حيض. وكذلك أيام انقطاع الدم الثلاثة بحكم الحيض (2).
3- أقل مدة بين الحيضين (أي أقل مدة الطهر):
اقله عشرة أيام وتسع ليالٍ متوسطة بينها.
مثال: لو رأت الدم بصفات الحيض خمسة أيام مثلاً ثم انقطع عشرة أيام أو أكثر, ثم رأته بصفات الحيض ثلاثة أيام مثلاً كان الدم الأول حيضا مستقلاً والدم الثاني حيضاً مستقلاً, وعشرة الأيام الفاصلة طهراً, ويكون في هذه الصورة اجتمع حيضان في شهر واحد.
وأما إذا رأت الدم الثاني بعد تسعة أيام لم يكن حيضاً يقيناً.
ملاحظة:
لا يشترط في الطهر النقاء التام بمعنى عدم وجود دم أصلاً, ولكن يشترط فيه عدم وجود دم يُحكم عليه بأنه حيض أو نفاس.
مثال: إذا كانت عادتها أربعة أيام من أول الشهر ورأت الدم فيها وزاد عليها واستمر بعد الأربعة, عشرة أيام بغير صفات الحيض ثم بعد العشرة رأته بصفة الحيض ثلاثة أيام, فالدم الأول حيض مستقل, والثاني حيض آخر لأنه فصل بينهما بأقل الطهر وهو عشرة أيام وإن رأت فيها الدم لأنه دم استحاضة.
4- أكثر مدة بين الحيضتين (أي أكثر مدة الطهر):
لا حد لأكثر الطهر فقد يكون شهراً أو سنة أو أكثر.
السن الذي يخرج فيه الحيض:
1- أقل سن يخرج فيه الحيض:
تسع سنين (سن البلوغ) بمعنى أن تكمل التاسعة وتدخل في العاشرة, فلو رأت الدم قبل إكمال التسع لا يكون حيضاً حتى ولو كان بصفات الحيض, بل يكون استحاضة (3). وأما إذا رأته بعد إكمال التسع بصفات الحيض فهو حيض ويجب عليها الالتزام بأحكام الحائض, والمراد عدد السنوات القمرية بلحاظ الهلال وبلحاظ اليوم والشهر وتكمل أجزاء اليوم والشهر.
مسألة: التي شُكّ في بلوغها التسع يحكم عليها بعدم البلوغ, فلو رأت الدم بصفات الحيض لا تكون حائضاً (4), ويكون الدم دم استحاضة.
وسيأتي حكمها إن شاء الله في بحث الاستحاضة.
2- أكثر سن يخرج فيه الحيض:
ويعبر عنه بسن اليأس: إذا أكملت المرأة ستين سنة (5), فما تراه من الدم فليس بحيض وإنما هو استحاضة (6), حتى لو كان بصفات الحيض وفي أيام عادتها.
وأما الدم الذي تراه المرآة بعد إكمالها خمسين سنة إلى أن تكمل ستين سنة, فالأحوط وجوباً أن تجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة إذا كان الدم بصفات الحيض أو كان في أيام العادة, حتى لو كان بغير صفات الحيض.
ولو رأت الدم بغير صفات الحيض, وفي غير أيام العادة فهو استحاضة. وهذا الحكم بالاحتياط يشمل غير القرشية, والقرشية – المعلوم منها اليوم هي التي تكون من أولاد الغمام أمير المؤمنين عليه السلام وهم السادة الكرام زادهم الله شرفاً, وكذلك أولاد العباس عم الرسول صلوات الله عليه وآله.
وشترط أن تنسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام أو العباس رضوان الله عليه بالآباء ولا يكفي الأمهات.
مسألة (1): إذا شكت في بلوغها سن اليأس يحكم عليها بعدم اليأس وتلتزم بأحكام غير اليائس.
مسألة (2): التي شك في أنها قرشية أو لا, يحكم عليها بأنها ليست قرشية وتلتزم بأحكام غير القرشية.