القسم الأول: الشرك في الربوبية وَهو نوعان:
أحدهما: شرك التعطيل وَهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فِرْعَوْن إذ قَالَ {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23]، وَمن هذا شرك الفلاسفة القائلين: بقدم العالم وَأبديته، وَأنه لم يكن معدومًا أصلًا بل لم يزل وَلا يزال، وَالحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب وَوسائط اقتضت إيجادها يسمونها: العقول وَالنفوس، ومن هذا شرك طائفة أهل وَحدة الوجود كأصحاب ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني والبلياني وغيرهم، وَنحوهم من الملاحدة الذين كسوا الإلحاد حلية الإسلام وَمزجوه بشيء من الحق حتى راج أمرهم على خفافيش البصائر.
ومن هذا شرك من عطل أسماء الرب وَأوصافه من غلاة الجهمية.
النوع الثاني: شرك من جعل معه إلها آخر وَلم يعطل أسماءه وَصفاته وَربوبيته، كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة، وَشرك المجوس القائلين: بإسناد حوادث الخير إلى النور، وَحوادث الشر إلى الظلمة.
ومن هذا شرك كثير ممن يشرك بالكواكب العلويات وَيجعلها مدبرة لأمر هذا العالم، كما هو مذهب مشركي الصابئة وَغيرهم.
ويلتحق به من وَجه شرك غلاة عباد القبور الذين يزعمون أن أرواح الأولياء تتصرف بعد الموت، فيقضون الحاجات، وَيفرجون الكربات، وَينصرون من دعاهم، وَيحفظون من التجأ إليهم، وَلاذ بحماهم، فَإِنَّ هذه من خصائص الربوبية.
القسم الثاني: الشرك في توحيد الأسماء وَالصفات وَهو أيسر مما قبله وَهو نوعان:
أحدهما تشبيه الخالق بالمخلوق كمن يقول يد كيدي، وَسمع كسمعي، وَبصر كبصري، وَاستواء كاستوائي، وَهو شرك المشبهة.
الثاني: اشتقاق أسماء للآلهة الباطلة من أسماء الإله الحق قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180].
قَالَ ابن جرير: “وأما قوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}، فإنه يعني به المشركين”.
وكان إلحادهم في أسماء الله، أنهم عدَلوا بها عمّا هي عليه، فسموا بها آلهتهم وأوثانهم، وزادوا فيها ونقصوا منها، فسموا بعضها “اللات” اشتقاقًا منهم لها من اسم الله الذي هو “الله”، وسموا بعضها “العُزَّى” اشتقاقًا لها من اسم الله الذي هو “العزيز”.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: ثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}، قال: “إلحاد الملحدين: أن دعوا “اللات” في أسماء الله”.
القسم الثالث: الشرك في توحيد الألهية وَالعبادة:
وهو أصل الشرك وأخطره وأعظمه، وبه الخلود في النار، ولا يغفره الله أبدا.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48].
وَأصل الشرك المحرم اعتقاد شريك لله تَعَالَى في الألهية وَهو الشرك الأعظم وَهو شرك الجاهلية، وَيليه في الرتبة اعتقاد شريك لله تَعَالَى في الفعل وَهو قول أن يجعل لله ندًا يعبده كما يعبد الله، وَهذا هو الشرك الأكبر، وَهو الذي قَالَ اللهُ فيه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء: 36].
وَقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18].
وقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة: 4].
والآيات في النهي عَنْ هذا الشرك وَبيان بطلانه كثيرة جدًا:
قَالَ ابن القيم رحمه الله: “والشرك الأكبر: وَهو أن يتخذ من دون الله ندًا يحبه كما يحب الله، وَهو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين، وَلهذا قالوا لآلهتهم في النار: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:97-98]، مع إقرارهم بأن الله وَحده خالق كل شيء، وَربه، وَمليكه، وَأن آلهتهم لا تخلق، وَلا ترزق، وَلا تحيي، وَلا تميت، وَإنما كانت هذه التسوية في المحبة، وَالتعظيم، وَالعبادة، كما هو حال أكثر مشركي العالم، بل كلهم يحبون معبوداتهم، وَيعظمونها، وَيوالونها من دون الله، وَكثير منهم بل أكثرهم يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله، وَيستبشرون بذكرهم أعظم من استبشارهم إذا ذكر الله وَحده، وَيغضبون لمنتقص معبوديهم وَآلهتهم من المشايخ أعظم مما يغضبون إذا انتقص أحدٌ رب العالمين، وَإِذَا انتهكت حرمة من حرمات آلهتهم وَمعبوداتهم غضبوا غضب الليث إذا حَرِدَ “إذا حَرِدَ: أي إذا غضب”، وَإِذَا انتهكت حرمات الله ټ/font>
أحدهما: شرك التعطيل وَهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فِرْعَوْن إذ قَالَ {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23]، وَمن هذا شرك الفلاسفة القائلين: بقدم العالم وَأبديته، وَأنه لم يكن معدومًا أصلًا بل لم يزل وَلا يزال، وَالحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب وَوسائط اقتضت إيجادها يسمونها: العقول وَالنفوس، ومن هذا شرك طائفة أهل وَحدة الوجود كأصحاب ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني والبلياني وغيرهم، وَنحوهم من الملاحدة الذين كسوا الإلحاد حلية الإسلام وَمزجوه بشيء من الحق حتى راج أمرهم على خفافيش البصائر.
ومن هذا شرك من عطل أسماء الرب وَأوصافه من غلاة الجهمية.
النوع الثاني: شرك من جعل معه إلها آخر وَلم يعطل أسماءه وَصفاته وَربوبيته، كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة، وَشرك المجوس القائلين: بإسناد حوادث الخير إلى النور، وَحوادث الشر إلى الظلمة.
ومن هذا شرك كثير ممن يشرك بالكواكب العلويات وَيجعلها مدبرة لأمر هذا العالم، كما هو مذهب مشركي الصابئة وَغيرهم.
ويلتحق به من وَجه شرك غلاة عباد القبور الذين يزعمون أن أرواح الأولياء تتصرف بعد الموت، فيقضون الحاجات، وَيفرجون الكربات، وَينصرون من دعاهم، وَيحفظون من التجأ إليهم، وَلاذ بحماهم، فَإِنَّ هذه من خصائص الربوبية.
القسم الثاني: الشرك في توحيد الأسماء وَالصفات وَهو أيسر مما قبله وَهو نوعان:
أحدهما تشبيه الخالق بالمخلوق كمن يقول يد كيدي، وَسمع كسمعي، وَبصر كبصري، وَاستواء كاستوائي، وَهو شرك المشبهة.
الثاني: اشتقاق أسماء للآلهة الباطلة من أسماء الإله الحق قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180].
قَالَ ابن جرير: “وأما قوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}، فإنه يعني به المشركين”.
وكان إلحادهم في أسماء الله، أنهم عدَلوا بها عمّا هي عليه، فسموا بها آلهتهم وأوثانهم، وزادوا فيها ونقصوا منها، فسموا بعضها “اللات” اشتقاقًا منهم لها من اسم الله الذي هو “الله”، وسموا بعضها “العُزَّى” اشتقاقًا لها من اسم الله الذي هو “العزيز”.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: ثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}، قال: “إلحاد الملحدين: أن دعوا “اللات” في أسماء الله”.
القسم الثالث: الشرك في توحيد الألهية وَالعبادة:
وهو أصل الشرك وأخطره وأعظمه، وبه الخلود في النار، ولا يغفره الله أبدا.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48].
وَأصل الشرك المحرم اعتقاد شريك لله تَعَالَى في الألهية وَهو الشرك الأعظم وَهو شرك الجاهلية، وَيليه في الرتبة اعتقاد شريك لله تَعَالَى في الفعل وَهو قول أن يجعل لله ندًا يعبده كما يعبد الله، وَهذا هو الشرك الأكبر، وَهو الذي قَالَ اللهُ فيه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء: 36].
وَقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18].
وقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة: 4].
والآيات في النهي عَنْ هذا الشرك وَبيان بطلانه كثيرة جدًا:
قَالَ ابن القيم رحمه الله: “والشرك الأكبر: وَهو أن يتخذ من دون الله ندًا يحبه كما يحب الله، وَهو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين، وَلهذا قالوا لآلهتهم في النار: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:97-98]، مع إقرارهم بأن الله وَحده خالق كل شيء، وَربه، وَمليكه، وَأن آلهتهم لا تخلق، وَلا ترزق، وَلا تحيي، وَلا تميت، وَإنما كانت هذه التسوية في المحبة، وَالتعظيم، وَالعبادة، كما هو حال أكثر مشركي العالم، بل كلهم يحبون معبوداتهم، وَيعظمونها، وَيوالونها من دون الله، وَكثير منهم بل أكثرهم يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله، وَيستبشرون بذكرهم أعظم من استبشارهم إذا ذكر الله وَحده، وَيغضبون لمنتقص معبوديهم وَآلهتهم من المشايخ أعظم مما يغضبون إذا انتقص أحدٌ رب العالمين، وَإِذَا انتهكت حرمة من حرمات آلهتهم وَمعبوداتهم غضبوا غضب الليث إذا حَرِدَ “إذا حَرِدَ: أي إذا غضب”، وَإِذَا انتهكت حرمات الله ټ/font>