قال الذّهبي:
( الفضيل بن عياض ( خ ، م ، د ، س ، ت )
ابن مسعود بن بشر الإمام القدوة الثبت شيخ الإسلام ، أبو علي التميمي اليربوعي الخراساني ، المجاور بحرم الله . ولد بسمرقند ، ونشأ بأبِيْوَرْد ، وارتحل في طلب العلم .
فكتب بالكوفة عن منصور ، والأعمش ، وبيان بن بشر ، وحصين بن عبد الرحمن ، وليث ، وعطاء بن السائب ، وصفوان بن سليم ، وعبد العزيز بن رفيع ، وأبي إسحاق الشيباني ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وهشام بن حسان ، وابن أبي ليلى ، ومجالد ، وأشعث بن سوَّار ، وجعفر الصادق ، وحميد الطويل ، وخلق سواهم من الكوفيين والحجازيين .
حدث عنه : ابن المبارك ، ويحيى القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وابن عيينة ، والأصمعي ، وعبد الرزاق ، وعبد الرحمن بن مهدي بن هلال ، شيخ واسطي ، وحسين الجعفي ، وأسَدُ السُّنة والشافعي ، وأحمد بن يونس ، ويحيى بن يحيى التميمي ، وابن وهب ، ومسدد ، وقتيبة ، وبشر الحافي ، والسري بن مغلّس السقطي ، وأحمد بن المقدام ، وعبيد الله القواريري ، ومحمد بن زنبور المكي ، ولُوين ، ومحمد بن يحيى العدني ، والحميدي ، وعبد الصمد بن يزيد مردويه ، وعبدة بن عبد الرحيم المروزي ، ومحمد بن أبي السري العسقلاني ، ومحمد بن قدامة المصّيصي ، ويحيى بن أيوب المقابري ، وخلق كثير ، آخرهم موتا الحسين بن داود البَلْخي .
وروى عنه سفيان الثوري أجلُّ شيوخه ، وبينهما في الموت مائة وأربعون عاما .
قال أبو عمار الحسين بن حُرَيث ، عن الفضل بن موسى ، قال :
كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس ،
وكان سبب توبته أنه عشق جارية ،
فبينا هو يرتقي الجدران إليها ،
إذ سمع تاليا يتلو
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ
فلما سمعها قال :
بلى يا رب قد آن ،
فرجع ،
فأواه الليل إلى خربة فإذا فيها سابلة ، فقال بعضهم : نرحل ، وقال بعضهم : حتى [نصبح] فإن فُضَيلا على الطريق يقطع علينا .
قال : ففكرت ، وقلت :
أنا أسعى بالليل في المعاصي ،
وقوم من المسلمين هاهنا ، يخافوني ،
وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع ،
اللهم إني قد تبت إليك ، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام .
وقال إبراهيم بن محمد الشافعي : سمعت سفيان بن عيينة يقول : فضيل ثقة .
وقال أبو عبيد : قال ابن مهدي : فضيل رجل صالح ، ولم يكن بحافظ .
وقال العجلى : كوفي ثقة متعبد ، رجل صالح ، سكن مكة .
وقال محمد بن عبد الله بن عمار : ليت فُضَيلا كان يحدثك بما يعرف ، قيل لابن عمار : ترى حديثه حجة ؟ قال : سبحان الله .
وقال أبو حاتم : صدوق .
وقال النسائي : ثقة مأمون ، رجل صالح .
وقال الدارقطني : ثقة .
قال محمد بن سعد : ولد بخراسان بكورة أبيورد ، وقدم الكوفة وهو كبير ، فسمع من منصور وغيره ، ثم تعبد ، وانتقل إلى مكة ونزلها إلى أن مات بها في أول سنة سبع وثمانين ومائة في خلافة هارون ، وكان ثقة نبيلا فاضلا عابدا ورعا ، كثير الحديث .
وقال أبو وهب محمد بن مزاحم : سمعت ابن المبارك يقول : رأيت أعبد الناس عبد العزيز بن أبي روَّاد ، وأورع الناس الفضيل بن عياض ، وأعلم الناس سفيان الثوري ، وأفقه الناس أبا حنيفة ، ما رأيت في الفقه مثله.
وروى إبراهيم بن شماس ، عن ابن المبارك قال :
ما بقي على ظهر الأرض عندي أفضل من الفضيل بن عياض .
قال نصر بن المغيرة البخاري : سمعت إبراهيم بن شماس يقول : رأيت أفقه الناس ، وأورع الناس ، وأحفظ الناس وكيعا والفضيل وابن المبارك .
وقال عبيد الله القواريري : أفضل من رأيت من المشايخ : بشر بن منصور، وفضيل بن عياض ، وعون بن معمر ، وحمزة بن نجيح.
قلت : عون وحمزة لا يكادان يعرفان ، وكانا عابدين .
قال النضر بن شميل : سمعت الرشيد يقول : ما رأيت في العلماء أهيب من مالك ، ولا أورع من الفضيل .
وروى أحمد بن أبي الحواري ، عن الهيثم بن جميل ، سمعت شريكا يقول : لم يزل لكل قوم حجة في أهل زمانهم ،
وإن فضيل بن عياض حجة لأهل زمانه ،
فقام فتى من مجلس الهيثم ، فلما توارى ، قال الهيثم :
إن عاش هذا الفتى يكون حجة لأهل زمانه ،
قيل :
من كان الفتى ؟
قال : أحمد بن حنبل .
قال عبد الصمد مردويه الصائغ : قال لي ابن المبارك :
إن الفضيل بن عياض صدق الله فأجرى الحكمة على لسانه ، فالفضيل ممن نفعه علمه.
وقال أبو بكر عبد الرحمن بن عفان : سمعت ابن المبارك يقول لأبي مريم القاضي : ما بقي في الحجاز أحد من الأبدال إلا فضيل بن عياض ، وابنه علي ، وعليّ مقدم في الخوف ، وما بقي أحد في بلاد الشام إلا يوسف بن أسباط ، وأبو معاوية الأسود ، وما بقي أحد بخراسان إلا شيخ حائك يقال له : معدان .
قال أبو بكر المقاريضي المذكر : سمعت بشر بن الحارث يقول : عشرة ممن كانوا يأكلون الحلال ، لا يُدخلون بطونهم إلا حلالا ولو استفوا التراب والرماد . قلت : من هم يا أبا نصر؟ قال : سفيان ، وإبراهيم بن أدهم ، والفضيل بن عياض ، وابنه ، وسليمان الخواص ، ويوسف بن أسباط ، وأبو معاوية نجيح الخادم ، وحذيفة المرعشي ، وداود الطائي ، ووهيب بن الورد .
وقال إبراهيم بن الأشعث :
ما رأيت أحدا كان الله في صدره أعظم من الفضيل ،
كان إذا ذَكر الله ، أو ذُكر عنده ، أو سمع القرآن ظهر ، به من الخوف والحزن ، وفاضت عيناه ، وبكى حتى يرحمه من يحضره ، وكان دائم الحزن ، شديد الفكرة ، ما رأيت رجلا يريد الله بعلمه وعمله ، وأخذه وعطائه ، ومنعه وبذله ، وبغضه وحبه ، وخصاله كلها غيره . كنا إذا خرجنا معه في جنازة لا يزال يعظ ، ويذكر ويبكي كأنه مودع أصحابه ، ذاهب إلى الأخرة ، حتى يبلغ المقابر ; فيجلس مكانه بين الموتى من الحزن والبكاء ، حتى يقوم وكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها .