وإن الزوج والزوجة شخصان غريبان
عن بعضهما، رُبِطَ بينهما بهذا الرباط الوثيق، وظللهما سقفٌ واحد، وحوتهما بقعة
واحدة، بعد أنْ لم يكن بينهما تواصل ولا اتفاق، ولذا فمن الضروري التنبه إلى أنهما
سيمران بمرحلة خطيرة، إنْ لم يتنبها إلى كيفية التعامل معها فإنه سيسقط الصرح الذي
شرعا في تشييده.
وهذه المرحلة هي الأشهر الأولى
من تاريخ الحياة الزوجية، فإنها فترة دراسة كل من الزوجين لطباع الآخر، ويغشاها
الاضطراب وتغير النفسيات، ودراسة أحد الزوجين طبائع طرف آخر قد ارتبط به، ولم يكن
بينهما ثمة صلة قبل ذلك، وقد يوفق أو يفشل.
والكثير يقع منهم الطلاق في هذه
الفترة، إما لقلة الخبرة، أو فقد الصبر، وعدم معرفة التعامل مع الأحداث.
فلا بد لكل من الزوجين تفهم
طبائع الشخص الذي اقترن به، فيكيّف نفسه وفق ذلك من أجل تحقيق حياة سعيدة، وإيجاد
شخص يستأنس به.
والرجل الذكي، والمرأة العاقلة،
من استطاع فهم نفسية شريك حياته بأقصر أمد، فإن هذا مما يرفع منزلته عند صاحبه، ويزيد
محبته.
ثم إن في هذه المرحلة وسائل
كثيرة، وطرقاً عديدة، يستطيع من خلالها الزوج أن يستحوذ على قلب زوجته، وتستطيع من
خلالها الزوجة أن تملك قلب زوجها، والموفق من وفقه الله للعمل بمرضاته، وراقب الله
في أعماله ومعاملته.
فالواجب على الزوج أن يعلم أن
هذه الزوجة بمنزلة الأسير عنده، فإنها كانت تعيش في بيت أهلها حرة إلى حد بعيد، لا
أحد يفرض عليها رأياً، وليست بملزمة أن تعمل بقناعات غيرها، فإذا بالوضع الآن
مختلف.
فالمرأة حين تتزوج فإن مصيرها
ارتبط بمصير غيرها، لا تستطيع الخروج عن طاعته، ولا أن تعمل ما تريد دون مشورته،
لأن ارتباط المصير بالزوج هذا أبسط حقوقه، ولربما عملت بقناعات زوجها في أمور لم
تكن مقتنعة بها إلى حد بعيد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "استوصوا
بالنساء خيراً فإنهن عَوانٌ عندكم"
ـ أي: أسيرات ـ، وحق الأسير إكرامه ورحمته وكف الظلم عنه والإحسان إليه، فمن علم
هذا عاملها بما يعامل به الأسير.
فإذا كان الحزم مطلوباً من جهة
الرجل، فإن الظلم مذموم، وإن كانت التربية مطلوبة منه، فإن إحسانها مطلب أعلى.
وعلى كلٍّ فإن فهم هذا الحديث
من جانب الزوجين، مما يفتح طريق الهدوء المعيشي بين الطرفين، ومن الضروري حين
يُطالَب الرجل بالرحمة والإحسان وعدم التسلط لغير معنى، كان من المهم أن تعرف
الزوجة أن الارتباط بالرجل يعني أنها لن تكون على حالها قبل الزواج، تفعل ما تشاء
وما تريد دون الالتفات لأحد، بل ستجد كثيراً من يقول: اتركي هذا وافعلي ذاك،
والعاقلة هي التي لا تستكبر عن ذلك وترى أن هذا تقييداً لحريتها، بل العقل كله أن
تعرف أن هذا من أبسط متعلقات الزواج، ولربما تنازلت عن كثير من أجل أن تسير حياتها
بهدوء تام.
وإذا دخل الرجل على زوجته ربما
يرى لأول وهلة ـ في بعض الأحيان ـ أن هذه المرأة ليست هي المرأة التي يحلم بها، أو
يطمع بمثلها، فلا يستعجل الحكم واتخاذ خطوة لربما يذم عليها، فلعله سيجد بعد ذلك
السعادة التي لم يكن يتخيلها ولا في الأحلام.
وليتأمل قول النبي صلى الله
عليه وسلم: "لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة،
إن كره منها خلقاً رضي منها آخر"،
لا يَفْرَك: أي لا يبغض.
فلربما يرى فيها نقصاً في بعض
الجوانب، لكنها في جوانب أخرى، هي من أفضل النساء وأحسنهن.
فلا ينظر إلى المرأة من جانب
الجمال فقط، فإن الجمال ليس هو كل شيء، وكم كان وراء الجمال امرأة سليطة اللسان،
مظهرة للأسرار، شابَ رأسُ زوجها من أفعالها، وإذا به قد ارتبط منها بأولاد يُخشى
عليهم الضياع في طلاقها، وأحياناً ما يبيعُ ذلك كله فيطلقها في سبيل راحة نفسه وإن
ضاع غيره، فماذا جنى من وراء الجمال؟!!
ثم إن الجمال أمرٌ نسبي، يتفاوت
في نظر الناس، فالجميلة في أعين أناس ليست كذلك في أعين آخرين، والعكس بالعكس.
وكم من امرأة جمّلها حُسْنُ
خلقها، وحسبها، ودينها، ورحمتها بزوجها، فإذا بها أغلى عنده من الدنيا، وكم من رجل
عشق امرأة على قلة جمالها فإذا بها عنده من أجمل النساء.
جاء عن إسماعيل بن جامع أنه
تزوج بالحجاز جارية سوداء مولاة لقوم يقال لها: مَريم، فلما صار من الرشيد بموضع
المقرّب منه، اشتاق إلى السوداء ـ وكان في سفر ـ فقال يذكرها، ويذكر الموضع الذي
كان يألفها فيه، ويجتمعان فيه:
هل ليلتي بقفا الحصحاص
عائدة في قبة ذات إسراج وأزرار
تسمو مجامرها بالمندلي
كما تسمو بحنانة أفواج إعصار
المسك يبدو إلينا من
غلائلها والعنبر الورد يذكيه على النار
ومريم بين أثواب
منعمة طوراً وطوراً تغنيني بأوتار
فقال له الرشيد ـ وقد سمع بشعره
ـ: ويلك من مريمُك هذه التي قد وصفتها صفة حور العين؟ قال: زوجتي، فوصفها كلاماً
أضعاف ما وصفها شعراً، فأرسل الرشيد إلى الحجاز حتى حملت، فإذا هي سوداء طمطانية
ذات مشافر، فقال له: ويلك! هذه مريم التي ملأت الدنيا بذكرها؟!، فقال: يا سيدي، إن
عمر بن أبي ربيعة يقول:
فتضاحكن وقد قلن
لها: حَسَنٌ في كل عين ما تودُّ
وعشق شابٌ امرأةً عجوزا فليم في
ذلك فقال:
تعشقتُها شمطاءَ شاب
وليدها وللناس فيما يعشقون مذاهب
وليمت امرأة في تركها رجلاً
جميلاً، ومحبتها لرجل قبيح، فقالت: ليس الهوى بالاختيار، ثم أنشأت:
ولا تلم المحب على
هواه فكل متيم كلف عميد
يظن حبيبه حسناً
جميلاً وإن كان الحبيب من القرود
وقال آخر:
عشقت لحبها السودان
حتى عشقت لحبها سود الكلاب
فالجمال أمر نسبي، ولا ندعي
المثالية فنقول إنه ليس مطلوباً، لكن الذي نعنيه أنه ليس كل شيء.
عن بعضهما، رُبِطَ بينهما بهذا الرباط الوثيق، وظللهما سقفٌ واحد، وحوتهما بقعة
واحدة، بعد أنْ لم يكن بينهما تواصل ولا اتفاق، ولذا فمن الضروري التنبه إلى أنهما
سيمران بمرحلة خطيرة، إنْ لم يتنبها إلى كيفية التعامل معها فإنه سيسقط الصرح الذي
شرعا في تشييده.
وهذه المرحلة هي الأشهر الأولى
من تاريخ الحياة الزوجية، فإنها فترة دراسة كل من الزوجين لطباع الآخر، ويغشاها
الاضطراب وتغير النفسيات، ودراسة أحد الزوجين طبائع طرف آخر قد ارتبط به، ولم يكن
بينهما ثمة صلة قبل ذلك، وقد يوفق أو يفشل.
والكثير يقع منهم الطلاق في هذه
الفترة، إما لقلة الخبرة، أو فقد الصبر، وعدم معرفة التعامل مع الأحداث.
فلا بد لكل من الزوجين تفهم
طبائع الشخص الذي اقترن به، فيكيّف نفسه وفق ذلك من أجل تحقيق حياة سعيدة، وإيجاد
شخص يستأنس به.
والرجل الذكي، والمرأة العاقلة،
من استطاع فهم نفسية شريك حياته بأقصر أمد، فإن هذا مما يرفع منزلته عند صاحبه، ويزيد
محبته.
ثم إن في هذه المرحلة وسائل
كثيرة، وطرقاً عديدة، يستطيع من خلالها الزوج أن يستحوذ على قلب زوجته، وتستطيع من
خلالها الزوجة أن تملك قلب زوجها، والموفق من وفقه الله للعمل بمرضاته، وراقب الله
في أعماله ومعاملته.
فالواجب على الزوج أن يعلم أن
هذه الزوجة بمنزلة الأسير عنده، فإنها كانت تعيش في بيت أهلها حرة إلى حد بعيد، لا
أحد يفرض عليها رأياً، وليست بملزمة أن تعمل بقناعات غيرها، فإذا بالوضع الآن
مختلف.
فالمرأة حين تتزوج فإن مصيرها
ارتبط بمصير غيرها، لا تستطيع الخروج عن طاعته، ولا أن تعمل ما تريد دون مشورته،
لأن ارتباط المصير بالزوج هذا أبسط حقوقه، ولربما عملت بقناعات زوجها في أمور لم
تكن مقتنعة بها إلى حد بعيد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "استوصوا
بالنساء خيراً فإنهن عَوانٌ عندكم"
ـ أي: أسيرات ـ، وحق الأسير إكرامه ورحمته وكف الظلم عنه والإحسان إليه، فمن علم
هذا عاملها بما يعامل به الأسير.
فإذا كان الحزم مطلوباً من جهة
الرجل، فإن الظلم مذموم، وإن كانت التربية مطلوبة منه، فإن إحسانها مطلب أعلى.
وعلى كلٍّ فإن فهم هذا الحديث
من جانب الزوجين، مما يفتح طريق الهدوء المعيشي بين الطرفين، ومن الضروري حين
يُطالَب الرجل بالرحمة والإحسان وعدم التسلط لغير معنى، كان من المهم أن تعرف
الزوجة أن الارتباط بالرجل يعني أنها لن تكون على حالها قبل الزواج، تفعل ما تشاء
وما تريد دون الالتفات لأحد، بل ستجد كثيراً من يقول: اتركي هذا وافعلي ذاك،
والعاقلة هي التي لا تستكبر عن ذلك وترى أن هذا تقييداً لحريتها، بل العقل كله أن
تعرف أن هذا من أبسط متعلقات الزواج، ولربما تنازلت عن كثير من أجل أن تسير حياتها
بهدوء تام.
وإذا دخل الرجل على زوجته ربما
يرى لأول وهلة ـ في بعض الأحيان ـ أن هذه المرأة ليست هي المرأة التي يحلم بها، أو
يطمع بمثلها، فلا يستعجل الحكم واتخاذ خطوة لربما يذم عليها، فلعله سيجد بعد ذلك
السعادة التي لم يكن يتخيلها ولا في الأحلام.
وليتأمل قول النبي صلى الله
عليه وسلم: "لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة،
إن كره منها خلقاً رضي منها آخر"،
لا يَفْرَك: أي لا يبغض.
فلربما يرى فيها نقصاً في بعض
الجوانب، لكنها في جوانب أخرى، هي من أفضل النساء وأحسنهن.
فلا ينظر إلى المرأة من جانب
الجمال فقط، فإن الجمال ليس هو كل شيء، وكم كان وراء الجمال امرأة سليطة اللسان،
مظهرة للأسرار، شابَ رأسُ زوجها من أفعالها، وإذا به قد ارتبط منها بأولاد يُخشى
عليهم الضياع في طلاقها، وأحياناً ما يبيعُ ذلك كله فيطلقها في سبيل راحة نفسه وإن
ضاع غيره، فماذا جنى من وراء الجمال؟!!
ثم إن الجمال أمرٌ نسبي، يتفاوت
في نظر الناس، فالجميلة في أعين أناس ليست كذلك في أعين آخرين، والعكس بالعكس.
وكم من امرأة جمّلها حُسْنُ
خلقها، وحسبها، ودينها، ورحمتها بزوجها، فإذا بها أغلى عنده من الدنيا، وكم من رجل
عشق امرأة على قلة جمالها فإذا بها عنده من أجمل النساء.
جاء عن إسماعيل بن جامع أنه
تزوج بالحجاز جارية سوداء مولاة لقوم يقال لها: مَريم، فلما صار من الرشيد بموضع
المقرّب منه، اشتاق إلى السوداء ـ وكان في سفر ـ فقال يذكرها، ويذكر الموضع الذي
كان يألفها فيه، ويجتمعان فيه:
هل ليلتي بقفا الحصحاص
عائدة في قبة ذات إسراج وأزرار
تسمو مجامرها بالمندلي
كما تسمو بحنانة أفواج إعصار
المسك يبدو إلينا من
غلائلها والعنبر الورد يذكيه على النار
ومريم بين أثواب
منعمة طوراً وطوراً تغنيني بأوتار
فقال له الرشيد ـ وقد سمع بشعره
ـ: ويلك من مريمُك هذه التي قد وصفتها صفة حور العين؟ قال: زوجتي، فوصفها كلاماً
أضعاف ما وصفها شعراً، فأرسل الرشيد إلى الحجاز حتى حملت، فإذا هي سوداء طمطانية
ذات مشافر، فقال له: ويلك! هذه مريم التي ملأت الدنيا بذكرها؟!، فقال: يا سيدي، إن
عمر بن أبي ربيعة يقول:
فتضاحكن وقد قلن
لها: حَسَنٌ في كل عين ما تودُّ
وعشق شابٌ امرأةً عجوزا فليم في
ذلك فقال:
تعشقتُها شمطاءَ شاب
وليدها وللناس فيما يعشقون مذاهب
وليمت امرأة في تركها رجلاً
جميلاً، ومحبتها لرجل قبيح، فقالت: ليس الهوى بالاختيار، ثم أنشأت:
ولا تلم المحب على
هواه فكل متيم كلف عميد
يظن حبيبه حسناً
جميلاً وإن كان الحبيب من القرود
وقال آخر:
عشقت لحبها السودان
حتى عشقت لحبها سود الكلاب
فالجمال أمر نسبي، ولا ندعي
المثالية فنقول إنه ليس مطلوباً، لكن الذي نعنيه أنه ليس كل شيء.