الحمد لله المبديء المعيد ، الغني الحميد ، ذي العفو الواسع والعقاب الشديد ،ومن أضله فهو الطريد البعيد ، ومن أرشده الى سبيل النجاة فهو الرشيد ، يعلم ما ظهر وما بطن ، وما خفي وما علن ، وما عاب وما كمل ، وهو أقرب الى العبد من حبل الوريد ، قسم الخلق قسمين ، وجعلهم منزلتين ، فريق في الجنة وفريق في السعير ،ان ربك فعال لما يريد ، من عمل صالحا فلنفسه ،ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد .
أحمده سبحانه وهو أهل الحمد والتحميد ، وأشكره والشكر عنده من أسباب الزلفى لديه والمزيد .
وأشهد أنم لا اله الا الله وحده لا شريك له ، ذو العرش المجيد ، والبطش الشديد ، شهادة كافله لي عنده بأعلى درجات أهل التوحيد .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، البشير النذير والسراج المنير ، أ شرف من أظلت السماء و أقلت البيد ، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا ، وعلى اله وأصحابه أولي المعونة على الطاعة والتأييد صلاة دائمة في كل حين تنمو وتزيد ، لا تنفذ ما دامت الدنيا والاخرة ولا تبيد .
أما بعد :
عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمان بن سمرة بن حبيب قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وكنا في صفة في المدينة فقام علينا فقال {إني رأيت البارح عجبا : رأيت رجلا من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه ورأيت رجلا من أمتي سلط عليه عذاب القبر فجاءه وضوءه فإسنفذه من ذلك ورأيت رجلا من أمتي قد إحتوشته الشياطين فجاءه ذكره لله عز وجل فطرد الشياطين عنه ورأيت رجلا من أمتي قد إحتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم ورأيت رجلا من أمتي يلتهب وفي رواية يلهث عطشا كلما دنى من حوض منع وطرد فجاءه صيام شهر رمضان فأسقاه وأرواه ورأيت رجلا من أمتي ورأيت النبيين جلوسا حلقا حلقا كلما دنا إلى حلقة طرد فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبه ورأيت رجلا من أمتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة وهو متحير فبها فجاءه حجه وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النور ورأيت رجلا من أمتي يتقي بيده وهج النار وشرره فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النار وظللت على رأسه ورأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه فجاءته صلته لرحمه فقالت يا معشر المسلمين إنه كان وصولا لرحمه فكلموه فكلمه المؤمنون وصافحوه وصافحهم ورأيت رجلا من أمتي قد إحتوشته الزبانية فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمة ورأيت رجلا من أمتي جاثيا على ركبتيه وبينه وبين الله حجاب فجاءه حسن خلقه وأخذ بيده فأدخله على الله عز وجل ورأيت رجلا من أمتي قد ذهبت صحيفته من قبل شماله فجاءه خوفه من الله عز وجل فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه ورأيت رجلا من أمتي خف ميزانه فجاءه أفراطه {من مات له من الأطفال } فثقلوا ميزانه ورأيت رجلا من أمتي قائما على شفير جهنم فجاءه رجاؤه في الله عز وجل فاستنقذه من ذلك ومضى ورأيت رجلا من أمتي قد أهوي في النار فجاءته دمعته التي بكى من خشية الله عز وجل فاستنقذته من ذلك ورأيت رجلا من أمتي قائما على السراط يُرعد كما ترعد السعفة في ريح عاصف فجاءه حسن الظن بالله عز وجل فسكن رعدته ومضى ورأيت رجلا من أمتي يزحف على السراط ويحبو أحيانا ويتعلق أحيانا فجاءته صلاته عليّ فأقامته على قدميه وأنقذته ورأيت رجلا من أمتي إنتهى إلى أبواب الجنة فغلّقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا اله الا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة .} رواه الحافظ أبو موسى المديني في كتابه الترغيب في الخصال المنجية والترهيب من الخصال المردية وقال هذا حديث حسن جدا وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يعظم شأن هذا الحديث وقال أن شواهد الصحة عليه وقال ابن القيم عنه حديث عظيم شريف القدر ينبغي لكل مسلم أن يحفظه
هذا الحديث العظيم الطويل ستكون لنا معه وقفة كل جمعة تقف عند خصلة من خصاله المنجية حتى نجتنب الخصال المردية هذه الخصال إن إلتزمنا بها وحرصنا عليها في حياتنا نجونا من كثير من المهالك سواء في الدنيا أو الأخرة .
أول هذه الخصال بر الوالدين في قوله صلى الله عليه وسلم {إني رأيت البارح عجبا : رأيت رجلا من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه.....}
هذه أول خصلة بر الوالدين ثمارها كثيرة طيبة عظيمة إحداها زيادة في العمر وقد جاءت أثار كثيرة في هذه المسألة نذكر منها قوله صلى الله عليه وسلم :{لا يزيد في العمر إلا البر ولا يرد القضاء إلا الدعاء وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.}
وقوله كذلك :{ إن الله تعالى يزيد في عمر الرجل ببره والديه.} وقوله : { بر الوالدين يزيد في العمر .} وقوله صلى الله عليه وسلم :{ من بر والديه طوبى له زاد الله في عمره .}
كيف معاشر المسلمين لا يكون لبر الوالدين هذه المزية والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : { من أرضى والديه فقد أرضى الله ومن أسخط والديه فقد أسخط الله .} كيف لا يزيد البر في العمر وقد جعله الله نعالى أعظم حق بعد حقه على العباد فقال تعالى : { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.} وقال كذلك سبحانه وتعالى : { أعبدوا الله ولا تشركوا بهي شيئا وبالوالدين إحسانا .} وقد أوصى الله تعالى ببر الوالدين وصحبتهم بالمعروف في الدنيا ولو كانوا كافرين حيث قال : { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي .} .
وبر الوالدين إخوة الإسلام حتى نكون عمليين يكون ببذل المعروف والإحسان إليهما بالقول والفعل والمال أما الإحسان بالقول فأن تخاطبهما باللين واللطف مستصحبا كل لفظ طيب يدل على اللين والتكريم قال تعالى :{ وقل لهما قولا كريما.} ولنا في إبراهيم عليه السلام الأسوة الحسنة كيف كان يخاطب أباه وهو كافر بأطيب الكلمات قال تعالى على لسان إبراهيم :{إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا...........إلى قوله : سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا .}.
أما الإحسان لهما بالفعل فأن تخدمهما ببدنك من قضاء الحوائج والمساعدة على شؤونهما وتيسير أمورهما وطاعتهما في غير ما يضرك في دينك أو دنياك مهما كان هذا الجهد عظيما فإنه في حقهما قليل ولقد رأينا الرجل الذي حج بوالدته على عاتقه فقال لعبد اللع بن عمر تراني وفيتها حقها قال لا ولو بطلقة .
أما الإحسان بالمال فأن تبذل لهما من مالك كل ما يحتاجان إليه طيبة بها نفسك منشرحا به صدرك غير متبع له بمنة ولا أذى وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لذلك الشاب : أنت ومالك ملك أبيك .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتقي الله وليصل رحمه .}
واعلم أن بر الوالدين أعلى صلة الرحم لأنهم أقرب الناس إليك رحما لهذا لا يليق بمؤمن عاقل يعلم فضل بر الوالدين وأثاره الحميدة في الدنيا والأخرة ثم يعرض عنه ويعمل بخلافه وهو العقوق قال تعالى :{ إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلا هما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا .} لأن في حال بلوغ الوالدين الكبر يكون الضعف العقلي والبدني أكبر وربما وصلا إلى أرذل العمر وهو سبب الضجر والملل وهنا يظهر البر وأختم بذلك الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق الناس بصحبتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك.
الجمعة التالية إن شاء الله نكمل مع الخصلة الثانية أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
عدل سابقا من قبل سفيان عادل في السبت فبراير 14, 2009 2:02 am عدل 3 مرات